التأمل المفيد (٢٢٤)

الحلقة الثانية والتسعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف : ٢٥]، قال أهل التفسير: “فلما رأوا العذاب الذي استعجلوه عارضًا في السماء متجهًا إلى أوديتهم قالوا: هذا سحاب ممطر لنا، فقال لهم هود عليه السلام: ليس هو بعارض غيث ورحمة كما ظننتم، بل هو عارض العذاب الذي استعجلتموه، فهو ريح فيها عذاب مؤلم موجع.” !!

استوقفني قبل نحو عشرة أيام ما قدّره الله تعالى على خمس ولايات أمريكية -منها ولاية كاليفورنيا- من نزول ثلوج بشكل كثيف؛ لم ينزل عليها مثله في الكثافة منذ مائة واثنين وأربعين عاما -كما يقول المحللون- مع أننا في أشهر الخريف، ولن يدخل الشتاء إلا في ٢١ ديسمبر !!
وتعليقا على الحدث -وبعد توفيق الله تعالى- أقول:

من أنواع الضلال الذي وقع فيه غير المسلمين في هذا العصر؛ هو أنهم بسبب ما فتح الله تعالى عليهم -بإذنه- من معرفة لبعض سننه التي يدير بها هذا الكون -كالمناخ على سبيل المثال- وسنن الله فيه من الضغوط الجوية المنخفضة والمرتفعة؛ وما يترتب على تغيرها من تغير في المناخ- فإنهم بسبب هذه المعرفة؛ أخذوا يتعاملون مع المناخ وكأن الله تعالى ليس له مشيئة مطلقة عليه، من ذلك: عزوهم لكل ما يقدره الله تعالى عليهم من أمطار وأعاصير وعواصف؛ إلى الضغوط الجوية وتغيراتها !!

ولقد جاء التحذير بنص شرعي من خطأ مشابه لما يفعله غير المسلمين في هذا العصر؛ في النظر إلى المناخ، وهو ما كان يظنه بعض الناس -في عصر صدر الإسلام- أن للكواكب دورا في نزول المطر، ففي الحديث: يقول زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- صلى لنا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ علَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: (هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ.) [متفق عليه] !!

والعجيب أن غير المسلمين؛ الذين يريدون أن ينفوا عن الخالق العظيم مشيئته المطلقة في تدبير أمر المناخ؛ يعلمون أن جميع أجهزتهم التي تعمل ببرامج معدة من قبل صانعيها؛ يعلمون أنها لن تعمل -مهما تفوقت برامج تشغيلها- إذا تدخلت شركة الكهرباء وقطعت إمداد أجهزتهم بالطاقة !!
ولله المثل الأعلى .. إن مشيئة الله المطلقة تتدخل في السنن التي وضعها سبحانه للمناخ؛ لتغييرها كيف يشاء سبحانه؛ ومتى شاء !!

وليس غريبا أن يتعامل غير المسلمين مع خالقهم العظيم بهذا الخطأ بالنسبة للمناخ، فإن عدم الاستسلام لله تعالى ولمنهجه القويم وشرعه الحكيم؛ نقلهم إلى ما هو أدهى وأخطر؛ وهو نفيهم -زعموا- مشيئة الله تعالى المطلقة في تدبير هذا الكون، ومنه المناخ !!

وأخيرا: في الوقت الذي كان سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم يخاف من سحابة في السماء خوفا أن يكون ذلك عذابا -فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى سحابا أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت سُري عنه ، فسألته عائشة رضي الله عنها في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم ما أدري لعله كما قال قوم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [متفق عليه]- في الوقت الذي كان تعامله صلى الله عليه وسلم مع سحابة بالوجل والخوف أن تكون عذابا؛ نجد أن تعامل غير المسلمين تجاه المناخ وتقلباته الخطيرة؛ قد انتقل من عدم عزوه إلى الله تعالى الخالق العظيم؛ إلى الغرور والغطرسة وعدم الضراعة إلى الله تعالى حين تنزل بهم العواصف الثلجية؛ فلا يتضرعون إلى الله تعالى بكشفها، قال تعالى:  {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون ٧٦]، بل استمر لهوهم بلعب القمار وغيره من المحرمات في لاس فيغاس مدينة القمار -إحدى مدن ولاية نيفادا- وهي إحدى الولايات الخمس التي نزل عليها الثلج الكثيف مؤخرا !!

ألا ما أجل معرفة المؤمن بربه؛ فتقلبات المناخ كلها بيده، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ • وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد : ١٢-١٣] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!