الحلقة التاسعة والثمانون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} [ص : ٦٦] !!
تنتهي بعض آيات القرآن الكريم -التي تتحدث عن ملك الله تعالى للسماوات والأرض وما بينهما- تنتهي باسم الله تعالى الغفور أو الغفّار، قال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} [ص : ٦٦]، وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} [الزمر : ٥]، وقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء : ٤٤]، وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى : ٥]، وغيرها من الآيات !!
نقف مع هذه الآيات الكريمات وقفتين، متأملين ومتدبرين:
الوقفة الأولى: لو افترضنا أن ثريا من الأثرياء؛ بلغ مساحة ما يملكه من عقار ما يقارب مساحة قارة من القارات على هذه الأرض !! وبلغ رصيده في البنوك عشرات التريليونات من الدولارات !!
السؤال: كيف يكون عفو هذا الثري عن رجل سرق من إحدى حدائقه بضع حبات من التفاح؛ يسد بها جوعته وجوعة أهله !! لا يشك العقلاء أنه سيصفح عنه وعن سرقته التي لم تنقص من ممتلكاته شيئا يذكر ؟؟!!
لله المثل الأعلى سبحانه !! لا شك أنه لا مقارنة البتة بين ما يملكه ذلك الثري من مساحة يسيرة على يابسة هذه الأرض -لا يملك إمطار مائها، ولا إنبات شجرها، ولا خلق أنعامها- وبين مُلك ربنا تعالى للأرضين السبع والسماوات السبع وما فيهما، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق : ١٢]، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [المائدة : ١٧] !! وعليه فلا مقارنة البتة بين مغفرة الله تعالى وعفو ذلك الثري !! إنها المغفرة الواسعة لمن يملك السماوات والأرض وما بينهما، قال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم : ٣٢] !!
إنه الغني سبحانه مالك السماوات والأرض، يدعو الموحدين إلى التوبة والاستغفار، حتى لو بلغت ذنوبهم عنان السماء، قال تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة)[حسنه الألباني في صحيح الجامع (4338)] !!
إنه الغني سبحانه مالك السماوات والأرض، يدعو الموحدين إلى التوبة والاستغفار، وعدم القنوط من رحمته سبحانه، فهو وحده القادر على محو جميع الذنوب لعباده أجمعين، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : ٥٣] !!
إن الفرق كبير بين من يعرف من الموحدين سعة عفو الله تعالى وسعة مغفرته -من كتاب ربه، ومن أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، فيُقبِل على الله تعالى ويستغفره، محسنا الظن به سبحانه- وبين من لا يعرف ذلك؛ فيضعف لديه حسن الظن بربه -واسع المغفرة- وقد يزله الشيطان إلى اليأس من رحمة الله تعالى !!
الوقفة الثانية: هذا الثري الذي افترضناه آنفا، جاءه سارق التفاح ومعه ألف من الوجهاء؛ كلهم يطلبون العفو عنه !! أيضا لا يشك أحد أن الثري سيقدر مجيئ هذا العدد الكبير، وسيعفو عن السارق لا محالة !!
لله المثل الأعلى !! أنت أيها المؤمن الموحد؛ الكريم على الله تعالى، لن يستغفر لك عدد من الناس فقط، بل يستغفر لك سكان السماوات السبع؛ الملائكة الكرام؛ الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يحصي عددهم إلا الخلاق العظيم، قال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى : ٥] !!
وأخيرا: هكذا أراد الله تعالى للمؤمنين الموحدين؛ أن يستشعروا عظيم مُلكه تعالى وسعة مغفرته !! مُلكه سبحانه الذي لا تُنقِص ذنوب المستغفرين ولا حاجات السائلين منه شيئا، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر !!
وأن يفرحوا باستغفار الملائكة الكرام لهم، ومنهم حملة عرش الرحمن سبحانه؛ الذين يستغفرون للذين آمنوا، ويسألون الله تعالى أن يدخلهم جنات عدن التي وعدهم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ • رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [غافر : ٧-٨] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!