التأمل المفيد (٢٢٠)

الحلقة الثامنة والثمانون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ • بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات : ٢٥-٢٦]، قال أهل التفسير: “ويقال لهم توبيخًا: ما لكم لا ينصر بعضكم بعضًا؟ بل هم اليوم منقادون لأمر الله، لا يخالفونه ولا يحيدون عنه، غير منتصرين لأنفسهم.” !!

مما وجه القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخوف به أعداء الإسلام؛ هو عدم قدرتهم يوم القيامة على التناصر؛ الذي كانوا يجيدونه في الدنيا بتأليب وتحزيب بعضهم بعضا لمواجهة وحرب الحق الذي جاء به الإسلام، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال : ٧٣] !!

ذلك أن تخويف أعداء الإسلام بالغيبيات؛ وخاصةً أهوال يوم القيامة -حتى وإن جحدوا بها في الظاهر؛ مع استيقانهم بها باطنا، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل : ١٤]- تخويف أعداء الإسلام بالغيبيات منهج قرآني عظيم؛ يبعث الثقة ويعزز الثبات في نفوس المؤمنين، ويرعب أعداء الإسلام ويتوعدهم بعذاب أليم !!

وعليه فلن ينفع المتحزبين الذين تحزبوا في غزوة الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ لن ينفعهم ذلك التحزب يوم القيامة، ولن يستطيعوا نصر بعضهم بعضا؛ {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} !!

ولن ينفع المتحزبين في الحروب الصليبية ضد المسلمين؛ لن ينفعهم ذلك التحزب يوم القيامة، ولن يستطيعوا نصر بعضهم بعضا؛ {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} !!

ولن ينفع المتحزبين -مستقبلا- ضد الإسلام والمسلمين؛ لن ينفعهم تحزبهم يوم القيامة، ولن يستطيعوا نصر بعضهم بعضا؛ {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} !!

لقد فات مُسعِّري الحروب ومؤججيها ضد الإسلام والمسلمين في هذه الدنيا؛ أن يحسبوا في خططهم الاستراتيجية -التي أصمّوا بها الآذان- حسابا ليوم قال الله تعالى فيه: {ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ • وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ • وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ • وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج : ١١-١٤]، وذلك بالاستسلام لله رب العالمين !!

وأخيرا: لم يكتف القرآن الكريم بحرمان أعداء الإسلام والمسلمين يوم القيامة -بسبب ما هم فيه من عذاب- من التناصر فيما بينهم: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}، بل زاد على ذلك بأن منعهم سبحانه من مواساة بعضهم بعضا وهم في العذاب، كما يواسي أهل الدنيا بعضهم بعضا عند حلول المصائب -وذلك لانشغال كل مُعَذَب بعذابه الأليم في النار- قال تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف : ٣٩]، قال الإمام القرطبي في تفسير الآية: “أعلم الله تعالى أنه منع أهل النار التأسي كما يتأسى أهل المصائب في الدنيا، وذلك أن التأسي يستروحه أهل الدنيا فيقول أحدهم : لي في البلاء والمصيبة أسوة؛ فيسكن ذلك من حزنه؛ كما قالت الخنساء : فلولا كثرة الــباكين حولي •• على إخوانهم لقتلت نفسي •• وما يبكون مثل أخي ولـكن •• أعزي النفس عنه بالتأسي، فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي شيئا لشغلهم بالعذاب.” انتهى كلامه رحمه الله [تفسير القرطبي (16/ 91)] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!