التأمل المفيد (٢٠٨)

الحلقة السادسة والسبعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان : ٦٣]، قال أهل التفسير: “وعباد الرحمن الصالحون يمشون على الأرض بسكينة متواضعين” !!

سبحان الذي ميز مِشية عباد الرحمن بالسكينة والتواضع !!
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي دلالات هذه المشية التي يحبها الله تعالى ؟!

الجواب: أول دلالاتها: قوة الصلة بالقرآن الكريم !! فالعبد المؤمن يعلم -لقوة صلته بالقرآن الكريم- أن الله تعالى يبغض مِشية التكبر والخيلاء؛ فيتجنبها، قال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء : ٣٧]، وقال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان : ١٨]، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (بيْنما رجلٌ يمشِي في حُلَّةٍ تُعجِبُهُ نفسُهُ ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ ، إذْ خسَفَ اللهُ بهِ الأرْضَ ، فهو يتجلْجَلُ فيها إلى يومِ القيامَةِ) [رواه البخاري (٥٧٨٩)، ومسلم (٢٠٨٨)] !!

الدلالة الثانية: مِشية السكينة تدل على شدة مراقبة عباد الرحمن لله تعالى، مما يجعلهم يضبطون كلامهم -حتى وهم يمشون- فلا يجهلون على من يجهل عليهم، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان : ٦٣]، قال أهل التفسير: “وعباد الرحمن الصالحون يمشون على الأرض بسكينة متواضعين، وإذا خاطبهم الجهلة السفهاء بالأذى أجابوهم بالمعروف من القول، وخاطبوهم خطابًا يَسْلَمون فيه من الإثم، ومن مقابلة الجاهل بجهله.” !!

الدلالة الثالثة: شمولية منهج الإسلام في توجيه جميع جوارح الإنسان نحو السلوك الأفضل !!
فكما وجه الإسلام المؤمن للمِشية السوية -كما مر معنا في الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال- كذلك وجه الإسلام السمع والبصر والفؤاد، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : ٣٦] !! 
ووجه اللسان، قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء : ٥٣]، وقال تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان : ١٩] !!
ووجه أيدي الإنسان بألا يسرق بهما ولا يبطش، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة : ٣٨] !!

وليس ذلك فحسب؛ بل يمتد أثر ما تعمله جوارحنا إلى يوم القيامة، حيث تشهد علينا بما عملناه في هذه الدنيا، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور : ٢٤]، وقال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت : ٢٠] !!

وأخيرا: ممّا ينبغي التنبه له: أن العبد المؤمن الذي يمشي على الأرض هونا؛ لا يعني أن يتماوت في مِشيته، فقد وصف علي رضي الله عنه مِشية الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: “إذا مشى تَكفَّأَ كأنَّما ينحدِرُ من صبَبٍ”[صححه الألباني في صحيح الترمذي (٣٦٣٧)]، لقوة مشيته صلى الله عليه وسلم؛ لكنها مِشية بسكينة تخلو من التكبر والخيلاء !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!