التأمل المفيد (٢٠٣)

الحلقة الحادية والسبعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الأنبياء : ١٦] !!

هل من المنطق والمعقول أن يندهش الإنسان لمنظر مبنى بطابقين، ثم يلتفت في نفس اللحظة إلى ناطحة سحاب؛ بطول ميل في السماء؛ فلا يندهش لها أبدا، وكأنها مبنى من طابق واحد، أو كأنها خيمة ؟!! لا شك أن عدم الاندهاش لرؤية ناطحة السحاب؛ مقارنة بالاندهاش الكبير تجاه المبنى ذي الطابقين لا يمت إلى المنطق بصلة أبدا !!

هذا ما يحصل لبعض الناس، تراه مندهشا عند تجواله في أحياء مدينة قد اشتهرت بجمالها وجمال طرقها وأبنيتها ! وحوله السماء بمجراتها وأفلاكها وشمسها وقمرها وكأنها ليست موجودة، قد غفِل القلب عن عظمتها !!*

حينما يلفت القرآن الكريم أنظارنا -في نحو أكثر من مائة وأربعين آية- إلى خلق السماوات والأرض وما بينهما؛ فلا يشك عاقل بأن أمر السماوات والأرض عظيم، وأن الله تعالى لم يخلقهما عبثا وباطلا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} !!
ولنقف وقفتين فقط أمام خلق السماوات والأرض:

الوقفة الأولى: هب أنك وقفت أمام مبنى وزارة من الوزارات، من الوهلة الأولى سيخطر على بالك وجود وزير في هذا المبنى، ومئات الموظفين ومكاتب وتجهيزات لا حصر لها !! كل هذا يخطر على بال الإنسان لحظة وقوفه أمام وزارة من الوزارات !!
ولله المثل الأعلى، تذكر كلما نظرت في السماوات؛ أن الله تعالى مستو على عرشه، فوق هذه السماوات -استواء يليق بجلاله سبحانه- وأن هذه السماوات تعج بالملائكة الكرام الصافين والمسبحين، قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ • وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ • وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات : ١٦٤-١٦٦] !! ولو تمعن الواحد منا في معراج النبي صلى الله عليه وسلم -حيث مر بالسماوات السبع؛ سماء بعد سماء، حتى انتهى صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، حيث قدّر ربنا تعالى فرض الصلاة بالقرب من الحضرة الإلهية- لو تمعنا في حادثة المعراج لحصل في نفوسنا تقدير عظيم لله تعالى حين ننظر إلى السماوات !!حديث المعراج [أخرجه البخاري (3342) واللفظ له، ومسلم (163)] !!

الوقفة الثانية: بعد استحضار عظمة ربنا سبحانه -حين ينظر الواحد منا إلى السماء- وأنه سبحانه مستو على عرشه – استواء يليق بجلاله- بعد ذلك تفكر في أفعال ربنا سبحانه وهو مستو على عرشه، قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن : ٢٩] !! لنتذكر أنه ليس البشر من يسأل ربنا سبحانه حاجاته فقط، بل العوالم كلها؛ ممن عرفنا؛ كعالم الملائكة والجن، وأمم أمثالنا، متجانسة في الخلق من الدواب والطير، وكذلك ما لم نعلم من الخلائق !! فقد بين سبحانه أن كل ما في السماوات والأرض يسأله !!

وحتى يتصور الواحد منا كثرة من في السماوات والأرض الذين يسألون خالقهم سبحانه؛ جاءت آية سورة لقمان التي قال الله فيها: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان : ٢٧]، لتبين لنا كما قال أهل التفسير: “ولو أن أشجار الأرض كلها بُريت أقلامًا والبحر مداد لها، ويُمَد بسبعة أبحر أخرى، وكُتِب بتلك الأقلام وذلك المداد كلمات الله، لتكسرت تلك الأقلام، ولنفِد ذلك المداد، ولم تنفد كلمات الله التامة التي لا يحيط بها أحد” !!

أخيرا: أبدع ابن القيم رحمه الله تعالى في الحديث عمّا يخص البشر فقط من قوله تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، فقال: “يغفر ذنباً، ويُفرِج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويُغني فقيراً، ويُعلِّم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويُرشِد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانياً، ويُشبِع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويُقيل عثرة، ويستر عورة، ويُؤمِّن روعة، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين” !! [الوابل الصيب (72)] !!
فكيف بسؤال باقي الخلائق مما نعلم ومما لا نعلم ؟؟!! ذلك غيب لا يعلمه إلا الذي أحصى كل شيء عددا سبحانه !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!