التأمل المفيد (١٩٨)

الحلقة السادسة والستون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف : ٥١]، قال ابن كثير: “يقول تعالى: هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني عبيد أمثالكم، لا يملكون شيئا، ولا أشهدتهم خلقي للسموات والأرض، ولا كانوا إذ ذاك موجودين، يقول تعالى: أنا المستقل بخلق الأشياء كلها، ومدبرها ومقدرها وحدي، ليس معي في ذلك شريك ولا وزير، ولا مشير ولا نظير” .. [تفسير ابن كثير (5/169)].

هذه الآية الكريمة من سورة الكهف -{مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}- يقرأها معظم المسلمين كل جمعة، فتمتلئ قلوبهم تعظيما لله تعالى؛ المستقل بخلق الأشياء كلها، ومدبرها ومقدرها وحده !! ويزداد التعظيم لله تعالى عند تدبر هذه الآية؛ إذا تذكرنا ضعف البشر بجانب القدرة الإلهية !! وتذكر ضعف البشر من الأمور المقصودة عند تدبر هذه الآية الكريمة !!
البشر يحتاجون عند بناء منشأة إلى عشرات أو مئات الأيدي العاملة، أو أكثر، حسب ضخامة المنشأة !! أمّا الله تعالى فقد خلق السماوات والأرض وما فيهن وحده، وخلق سبحانه الناس ولا زال يخلقهم وحده، ويخلق كل شيء وحده !!

ثم نقف وقفة مع هذا الخلق العظيم الذي خلقه الله تعالى وحده سبحانه، ولا يزال يخلق ما شاء من المخلوقات وحده !!

في عصرنا هذا؛ فاقت المنشآت الضخمة جميع ما مر على البشرية من مبان وقصور، بل لا تكاد تخلو عاصمة من العواصم إلا وناطحات السحاب سمة بارزة لها !! فانبهر الكثير؛ في الشرق والغرب بما شيد الإنسان من عمران عظيم، حتى أضعف هذا الانبهار الوازع الديني لدى البعض منهم !!
وقد حذر نبي الله هود عليه السلام قومه من خطر الانبهار بعمارة الأرض بالقصور العالية وغيرها، قال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ • وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء : ١٢٨-١٢٩] !! قال أهل التفسير: “وتتخذون قصورًا منيعة وحصونًا مشيَّدة، كأنكم تخلدون في الدنيا ولا تموتون” !!
والذي يحمي الناس من هذا الانبهار بضخامة منشآت العصر؛ هو العلم بأن الله تعالى المستقل بخلق الأشياء كلها، ومدبرها ومقدرها وحده؛ قد بين لنا أن هذه المخلوقات التي خلقها؛ لا يقدر أحد أن يخلق مثلها، قال تعالى:  {هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [لقمان : ١١] !!
ومادام الأمر كذلك؛ فسيبقى ما خلق الله تعالى يشد فطرة الإنسان إلى خالقه العظيم الذي تفرد بخلق هذه المخلوقات !! ولهذا يحتاج الدعاة إلى الله تعالى أن يبذلوا مزيدا من الجهد لإبراز هذه القضايا الإيمانية العظيمة للناس أجمعين؛ حتى يستيقن غير المسلمين، فيدخلوا في دين الله تعالى، ويزداد الذين آمنوا إيمانا !!

أخيرا: لا يملك البشر أن يبنوا منشأة -مهما عظمت وتعقد تصميمها- لا يملكون أن يخاطبونها لتنقاد إليهم؛ يأمرونها فتطيع وينهونها فتنتهي، بل أعظم ما وصلوا إليه هو برمجة بعض ما يصنعون؛ لتأدية مهام محدودة !!
أمّا خالق السماوات والأرض سبحانه، المستقل بخلق الأشياء كلها، ومدبرها ومقدرها وحده؛ فإنه إذا شاء سبحانه خاطب ما يخلق؛ آمرا إياه بالانقياد له سبحانه طوعا أو كرها، قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت : ١١]، قال أهل التفسير: “ثم استوى سبحانه وتعالى، أي قصد إلى السماء وكانت دخانًا من قبلُ، فقال للسماء وللأرض: انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين. قالتا: أتينا مذعنين لك، ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.” !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!