الحلقة الخامسة والستون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف : ٤٧] !!
حشر الثقلين -الإنس والجن- يوم القيامة أمر جلل؛ قد أكثر القرآن الكريم والسنة المطهرة من الحديث عنه؛ حتى يعظّمه الناس حق تعظيمه، وحتى يحسبوا له حسابه؛ بكثرة العمل الصالح والتوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه !!
ولنا مع هذا الحشر العظيم وقفات من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ تذكيرا لي ولإخواني بهذا اليوم العظيم:
أول وقفة نقفها مع التعداد الكبير لهذا الحشر، فالناس فيه ليسوا بمئات الألوف، ولا بمئات الملايين، ولا حتى بمئات المليارات، بل هو حشر جميع الناس؛ آدم عليه السلام وحتى آخر فرد يأتي من ذريته في آخر الزمان، بل هو حشر الثقلين، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ} [الأنعام : ١٢٨]، فالجن كالإنس ما خُلِقوا إلا لعبادة الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : ٥٦] !!
أمّا مكان هذا الحشر فقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْض} [ابراهيم : ٤٨]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: “وهي هذه -أي أرضنا- على غير الصفة المألوفة المعروفة”، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامةِ على أرضٍ بيضاءَ عَفْرَاءَ ، كقُرْصَةِ النَّقِيِّ ، ليس فيها مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ)[متفق عليه]، تصبح الأرض في استواء سطحها كاستواء سطح قرص الخبز؛ الذي لا نتوء فيه، بعد أن ينسف الله تعالى جبالها، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا • فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا • لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه : ١٠٥-١٠٧] !!
ويشهد هذا الحشر العظيم الملائكة الكرام عليهم السلام، قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان : ٢٥]، كما يسود المشهد صمت مطبق، قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبإ : ٣٩] !!
وبالرغم من كثرة الناس في ذلك اليوم العظيم؛ إلا أنهم يُحشرون جميعا على هيئة واحدة، قال صلى الله عليه وسلم: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا)[متفق عليه]، وقد بدت قسمات وجوههم على قسمين، قال تعالى؛ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ • ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ • وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [عبس : ٣٨-٤٠] !!
ثم يجيء الله تعالى -مجيئا يليق بجلاله- إلى هذا الحشر العظيم، قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر : ٢٢]؛ ليفصل بين خلقه من الإنس والجن، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة : ٢٥] !!
وأخيرا: إن الحالة التي أضحى عليها إسرافيل عليه السلام؛ والتي أخبرنا بها رسو الله صلى الله عليه وسلم؛ لهي من أقوى الأدلة على قرب يوم الحشر، قال صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعَمُ وصاحِبُ القَرنِ قد التقَمَ القَرنَ وحَنى جَبهتَه، وأصغى السَّمعَ متى يُؤمَرُ، قال: فسَمِعَ ذلك أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فشَقَّ عليهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قولوا: حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ)[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٠٧٩)]، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس : ٥١]، وقال صلى الله عليه وسلم عن قرب الساعة: (بُعِثْتُ أنا والسَّاعَةَ كَهذِه مِن هذِه، أوْ: كَهاتَيْنِ وقَرَنَ بيْنَ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى)[متفق عليه] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!