الحلقة الرابعة والستون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء : ٨٥] !!
الآية الكريمة ترسم للمسلمين منهجا عظيما في حِفظ أموالهم وأوقاتهم من أن يصرفوها فيما لا طائل من وراء البحث عنه؛ ومن ثم حفظ معتقداتهم وقيمهم، وذلك في أمور كثيرة؛ أذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- ثلاثة:
أولا: حِفظ أموال المسلمين الكثيرة وأوقاتهم الثمينة من أن يصرفوها في الدراسات والبحوث التي ترمي إلى معرفة أمر الروح، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، قال أهل التفسير: “ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا، فأجبهم بأن حقيقة الروح وأحوالها من الأمور التي استأثر الله بعلمها، وما أُعطيتم أنتم وجميع الناس من العلم إلا شيئًا قليلا.” !!
ثانيا: حِفظ أموال المسلمين الكثيرة وأوقاتهم الثمينة من أن يصرفوها في الدراسات والبحوث التي ترمي إلى وقف الهَرَم والكِبَر والضعف والشيخوخة؛ التي جعلها الله تعالى أمرا حتميا سنّهُ لمن منحهم سبحانه الحياة من مخلوقاته في هذه الأرض -فيما عدا من ورد استثناؤهم في الشرع؛ كعيسى عليه السلام الذي رفعه سبحانه، وإبليس الرجيم الذي أنظره- وعلى رأس هذه المخلوقات: الإنسان، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم : ٥٤] !!
وقد ذكر تعالى الشيخوخة في قوله تعالى: {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ} [غافر : ٦٧] !!
بل بين سبحانه وتعالى أن الشيطان الرجيم هو من يقبع -ومنذ الأزل- وراء إغراء آدم عليه السلام وذريته بالخلود في هذه الدنيا، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ} [طه : ١٢٠] !!
كما بين الله تعالى لنا في كتابه الكريم أنه سبحانه لم يجعل للبشر دوام البقاء في هذه الدنيا، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء : ٣٤] !!
غير أن لدى المسلمين حديث شريف ينص على عمل صالح؛ إذا عمله المسلم يزيد من عمره -بدون الحاجة إلى بحوث أو دراسات- وهو صلة الرحم، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه ، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه)[متفق عليه] !!
ثالثا: حِفظ أموال المسلمين الكثيرة وأوقاتهم الثمينة من أن يصرفوها في الدراسات والبحوث التي ترمي إلى سُكنى كوكب آخر غير كوكب الأرض !!
وقد بين لنا الله تعالى في كتابه الكريم أنه هيأ الأرض -وليس أي كوكب أو نجم آخر- لتمكين البشر من العيش فيها، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} [الأعراف : ٢٤]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك : ١٥]، وقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة : ٢٢]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف : ١٠] !!
وقال تعالى: {ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود : ٦١]، قال أهل التفسير: “هو الذي بدأ خَلْقكم من الأرض بخلق أبيكم آدم منها، وجعلكم عُمَّارا لها” !!
وأخيرا: أرجو من الله تعالى -الذي أوصانا بنشر وحيه ونوره ورحمته تعالى بين العالمين- أن يعين المسلمين على إيصال المعاني العظيمة التي حوتها الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}؛ إيصالها إلى أرباب الحضارة المادية المعاصرة؛ لعلهم يتواضعوا لله تعالى ويعظموه، ويستسلموا له تعالى؛ ولمنهجه القويم الذي يعينهم في المحافظة على أموالهم وأوقاتهم -كما أعان المسلمين من قبلهم- وصرْفها في الوجوه التي يرضى عنها سبحانه وتعالى؛ وتعود عليهم بخيري الدنيا والآخرة !!
وليعلموا من قوله تعالى -في آخر الآية الكريمة التي هي موضع التأمل-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}؛ أنهم وإن كانوا في عصر الثورة المعلوماتية؛ إلا إن علمهم لا يساوي ولا ذرة من علم الله تعالى؛ الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات : ١٦]، وقال تعالى: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام : ٨٠]، وأنه سبحانه يعلم ما يُصلِحُ حال الإنسان، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك : ١٤] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!