التأمل المفيد (١٩٥)

الحلقة الثالثة والستون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء : ٦٠]، قال أهل التفسير: “واذكر -أيها الرسول- حين قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس علمًا وقدرة.” !!

من عظيم ما عرّف الله تعالى به نفسه؛ قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاس}، فامتلأت قلوب أهل الإيمان بهذه المعرفة تعظيما له سبحانه !!
وجَهِل هذه المعرفة بالله تعالى غير المسلمين؛ فما قدروا الله حق قدره، ووقعوا في الإلحاد والضلال !!

ولتقريب معنى إحاطة الله تعالى بالناس؛ أقول بعد توفيق الله تعالى:

لا تستطيع أضخم وأعتى قوة موجودة على وجه الأرض أن تحيط وتُحكِم سيطرتها على مدينة واحدة -من بين آلاف المدن في هذه الأرض- إلا بشق الأنفس، وأحيانا تخسر الكثير من الرجال والعتاد، وفي أحيان أخرى تنسحب لعدم القدرة على المواجهة والاستمرار، ناهيك عن جهلهم بما يقوله ويفعله أهل المدينة المحاصرة !!

ولله المثل الأعلى؛ الله تعالى يحيط بكل الناس، وبمدنهم وبما يملكون، يحيط بهم سبحانه علما وقدرة -{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}- يفعل فيهم ما يشاء ويحكم سبحانه فيهم بما يريد؛ بمقتضى علمه وقدرته وحكمته، ولو أرادوا الهروب من الأرض؛ فرارا من أمر الله تعالى لعجزوا عن ذلك، قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن : ٣٣]، قال أهل التفسير: “يا معشر الجن والإنس، إن قَدَرْتم على النفاذ من أمر الله وحكمه هاربين من أطراف السموات والأرض فافعلوا، ولستم قادرين على ذلك إلا بقوة وحجة، وأمر من الله تعالى (وأنَّى لكم ذلك وأنتم لا تملكون لأنفسكم نفعًا ولا ضرًا؟).” !!

ولأن الله تعالى قد أحاط بالناس علما وقدرة؛ فإنني أبدأ بعرض صور مما جاء في القرآن الكريم عن إحاطة الله تعالى للناس بقدرته:

منها: أنه تعالى كما خلقهم؛ فهو سبحانه قادر على أن يذهبهم، ويأتي بغيرهم، قال تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا} [النساء : ١٣٣]، وقال تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فاطر : ١٦] !!
فأين هذه الحقيقة عن أناس -من غير المسلمين- ظنوا -لامتلاكهم علم الذرة- ألّا يقدر عليهم أحد ؟؟!!

ومنها: أنه تعالى كما أنبت لهم الزرع؛ فهو سبحانه قادر على جعله حُطاما، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ • أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ • لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة : ٦٣-٦٥] !!
فأين هذه الحقيقة عن أناس -من غير المسلمين- ظنوا لتقدمهم الكبير في مجال الزراعة؛ أنهم لن يجوعوا أبدا ؟؟!!

وكما رزقهم تعالى القطر من السماء؛ فهو سبحانه قادر على أن يحرمهم منه؛ فلا يشربون، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ} [الملك : ٣٠]، وقال تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة : ٧٠] !!
فأين هذه الحقيقة عن أناس -من غير المسلمين- ظنوا لضخامة مخزونهم الاستراتيجي من الماء؛ أنهم لن يظمأوا أبدا ؟؟!!

وأنه تعالى كما يمنحهم المُلك والمال والتمكين؛ فهو قادر سبحانه على سلبهم ذلك، وكما يمنحهم العزة في الدنيا والآخرة؛ فهو قادر على جعل الذلة والصغار عليهم، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : ٢٦] !!
فأين هذه الحقيقة عن أناس -من غير المسلمين- ظنوا أنهم يستحقون -لتقدمهم المادي- وضع نظام عالمي -وصفوه بالجديد- لأهل الأرض؛ كي يستعلوا به على الناس، ويذلوا به غيرهم ؟؟!!

وأخيرا: إذا كان ما أوردته من آيات القرآن الكريم آنفا؛ بينت لنا صور إحاطة “قدرة” الله تعالى بالناس؛ فإن إحاطة الله تعالى للناس “بعلمه” لها أيضا شواهد كثيرة في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة : ٧٧]، وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة : ٢٥٥]، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد : ٨]، بل ويعلم سبحانه ما في السماوات والأرض، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن : ٤]، وغير ذلك من آيات الكتاب العزيز كثير !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!