التأمل المفيد (١٩٤)

الحلقة الثانية والستون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء : ٥٨]، قال أهل التفسير: “يتوعَّد الله الكفار بأنه ما من قريةٍ كافرة مكذبة للرسل إلا وسينزل بها عقابه بالهلاك في الدنيا قبل يوم القيامة أو بالعذاب الشديد لأهلها، كتاب كتبه الله وقضاء أبرمه لا بد مِن وقوعه، وهو مسطور في اللوح المحفوظ.” !!

تصدّر المشهد الهندي؛ واضطهاد المسلمين هناك -من قِبل الهندوس الكافرين الظالمين- تصدّر وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام .. ورأينا مقاطع من ذلك الاضطهاد؛ تدمي القلوب المؤمنة قبل بكاء العيون !!

والآية التي هي موضع التأمل -ومثلها كثير في كتاب الله تعالى- تتحدث عن سنة الله تعالى الجارية في إهلاك الكافرين الظالمين، وأخذهم في هذه الدنيا، ثم ردهم إليه سبحانه يوم القيامة ليذيقهم عذاب النار وبئس المصير !!
ولنا مع الآية الكريمة وقفات:

الوقفة الأولى: لن تفلت أمة كافرة ظالمة من عذاب الله تعالى الأليم في هذه الدنيا مهما طال عليها الزمن، قال تعالى: {وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} !!
وقد يملي الله تعالى للكافرين الظالمين بعلمه وحكمته فلا يعاجلهم بالعذاب، {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}، لكنه تعالى يأخذهم بعد الإمهال، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيد})[متفق عليه] !!
وقد يطول زمن الإمهال لأمة كافرة ظالمة طويلا؛ حتى إن الواحد منا يولد ويموت ولم ير عذاب الله تعالى النازل على أمة من أمم الكفر القائمة، لكن سنة الله تعالى لا تتخلف، وسينزل بهم العذاب لا محالة !!

الوقفة الثانية: لم تشترط الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل- أن تكون أمة الإسلام في حالة قوة وتمكين، أو في حالة ضعف وانحسار؛ حتى ينزل سبحانه عذابه على الكافرين الظالمين !!
فقد ينزل العذاب على الكافرين في حال ضعف المؤمنين؛ كما حصل في غزوة بدر، وينزل في حال قوتهم !!
إن السبب الرئيس لتعذيب الله تعالى للكافرين الظالمين ليس لاضطهادهم للمسلمين؛ إنما هو لكفرهم وتكذيبهم لله تعالى، وتكذيبهم لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأمّا اضطهادهم للمسلمين فهذا زيادة على ما هم عليه من كفر؛ يزيد به عذابهم، قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل : ٨٨] !!

الوقفة الثالثة: لا يعلم الكافرون الظالمون متى ولا كيف يأتيهم العذاب .. ذلك أن الله تعالى حين يأخذهم بالعذاب في هذه الدنيا؛ فإنه يأخذهم بغتة -كأن يأخذهم في حال نومهم- ليكون ذلك أشد إيلاما، قال تعالى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف : ٤] !!
كما أنهم لا يعلمون من أين يأتيهم العذاب، أهو من فوقهم أو من تحتهم، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام : ٦٥]، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح : ٧] !!

الوقفة الرابعة: التوبة النصوح هي المخرج الوحيد للأمة الكافرة الظالمة؛ حتى يصرف الله تعالى عنها أليم عذابه في الدنيا، وهذا ما حصل لقوم يونس عليه السلام، قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ} [يونس : ٩٨] !!

أخيرا: هذه الوقفات التي مرت معنا في هذا المقال؛ فيها تذكير للمؤمنين بأن لهذه الأرض والسماوات إله واحد، لا يغيب عنه تمرد الكافرين وظلمهم، بل يعذبهم وينشئ من بعدهم قوما آخرين، قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء : ١١] !!

اللهم عليك بأعدائك وأعداء الإسلام والمسلمين في الهند وفي كل مكان؛ فإنهم لا يعجزونك !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!