الحلقة الستون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ} [النحل : ٦٢] !!
شدني الحديث في الإعلام الأمريكي خلال شهر يناير الجاري -الذي تمر فيه الذِكرى الأولى لاقتحام مبنى الكونجرس- شدني الحديث عن تنامي العنف لديهم خلال السنوات الخمس الماضية !!
وأنا -ولله الحمد- لا أترك فرصة تُتاح لي لبيان عظمة دين الإسلام إلا وأكتب عنها؛ سائلا الله تعالى الأجر والمثوبة !!
معلوم تاريخيا أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية -كما يسمونهم- سنُّوا في الدستور قانونا أسموه بقانون حرية التعبير، حيث أفادوا منه في بناء حضارتهم المادية الضخمة أيما إفادة، فقد كانت حرية التعبير من أقوى الوسائل لديهم لاستكشاف القصور وتصحيح المسار في بناء حضارتهم المادية !!
*والسؤال الذي يطرح نفسه: ثم ما الذي حدث حتى يتنامى العنف لديهم مع وجود قانون يضمن حرية التعبير، بل ويُتوج هذا العنف المتنامي باقتحام مبنى الكونجرس ؟
الجواب المختصر: عدم الاستسلام لله تعالى وشرعه القويم !!
أمّا الجواب المُطّول؛ فهو بخصوص ما سنُّوه لأنفسهم من قانون يضمن حرية التعبير !!
إنه من أعظم الغباء أن يستخف غير المسلمين بخطر اللسان !!
ولكن لا غرابة؛ فكيف يعرف خطر اللسان من جهل خطر الكفر والشرك ؟؟!!
ولذلك فإن الحقيقة التي لا مِراء فيها أن العنف المتزايد الذي تعانيه الحضارة الغربية عامة؛ والولايات الأمريكية على وجه الخصوص؛ في السنوات الخمس الأخيرة هو حصاد قانون حرية التعبير؛ الذي أطلق ألسِنة الناس هناك لتقول ما تشاء، حتى لو كان الكلام كذبا على الله تعالى أو على خلقه، أو مدحا لكل حقير من الأمور، وذما لما هو قيّم ورفيع، أو تبجحا بالحديث عن الشذوذ والإباحية، قال تعالى: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ}، أو التعصب لحزب ومدحه؛ مقابل سب وشتم الحزب الآخر -وكأن العصبية القبلية قد غزت ربوع العم سام- ممّا يوغر الصدور ويدفعها إلى العنف لا محالة !!
وقد يسأل سائل: ما بال العنف تزايد عند أهل الحضارة المادية في السنين المتأخرة على وجه التحديد، مع أن حرية التعبير أمر قديم لديهم ؟
والجواب: أن الفكر الإلحادي والإباحي قد استطار شره في السنوات الأخيرة؛ فاستغل أصحابه الملاحدة والإباحيون -المؤيدون لحزب- استغلوا حرية التعبير -التي سنّها لهم قبل قرون من جَهِل خطر اللسان- لنشر باطلهم الذي أوغر صدور أتباع حزب آخر؛ يدعي أنه حزب محافظ !!
وسيظل قانون حرية التعبير الذي سنُّوه لأنفسهم؛ إسفينا دُقّ في نعش حضارتهم الآيلة إلى الزوال؛ ما لم يستسلموا لخالق الكون الحكيم العليم، ومنهجه الذي شمل الهدى لجميع جوانب الحياة؛ وشرّع ما يضبط عمل جميع جوارح الإنسان؛ التي منها اللسان !!
فالمسلمون؛ الذين انقادوا لهدى الله تعالى؛ بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللسان من أخطر ما يكب بصاحبه في النار، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٥١٣٦)]، والحديث واضح الدلالة على حاجة البشر للهدى الرباني في هذه الحياة الدنيا، فهذا صحابي جليل -رضي الله عنه- لم يكن يتصور أن شأن اللسان يصل إلى تلك الدرجة من الخطورة؛ فقال؛ “إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟” !!
وحينما سمع صلى الله عليه وسلم أنصاريا يقول: يا لَلأنصارِ، ومهاجريا يقول: يا لَلْمُهاجِرينَ؛ على إثر خِصام شب بينهما؛ قال: (ما بالُ دَعْوى الجاهليَّةِ) [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ) [متفق عليه]، لعلمه صلى الله عليه وسلم عاقبة دعاوى الجاهلية؛ وأنه العنف والاحتراب !!
أخيرا: لقد كتب علماء الإسلام قديما وحديثا في شرح النصوص الشرعية الكثيرة التي وجهت المسلم فيما يقوله؛ من الأقوال؛ كقول الحق، وإسداء النصيحة وغيرها، وما يذره من الأقوال؛ كقول الزور، والفاحش من القول وغيرها، ليصل المسلم بأقواله -بفضل هذه التوجيهات الربانية- إلى الصفة التي يحبها الله تعالى؛ وهي القول الحسن، قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء : ٥٣]، وقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة : ٨٣] !!
ويبقى السؤال الأخير: من أين سيستقي أرباب قانون حرية التعبير في الحضارة الغربية المعاصرة هذه الضوابط الشرعية لألسنتهم؛ إن لم يستسلموا لمنزلها العليم الحكيم ؟!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!