الحلقة التاسعة والخمسون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل : ١٧]، قال أهل التفسير: “أتجعلون الله الذي يخلق كل هذه الأشياء وغيرها في استحقاق العبادة كالآلهة المزعومة التي لا تخلق شيئًا؟ أفلا تتذكرون عظمة الله، فتفردوه بالعبادة؟” !!
نقف مع هذه الآية الكريمة متأملين ومتدبرين:
الآية الكريمة لا تخاطب الكفار التقليدين فقط؛ كعباد عيسى عليه السلام، وعباد بوذا، وغيرهم ممن يعبدون من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون !! بل تخاطب كذلك من اتخذوا -في هذا العصر- أهواءهم إلها من دون الله تعالى، فنصبوا العلم المادي إلها؛ يرجعون إليه في كل أمر، ونبذوا الدين، واتخذوا الله تعالى وراءهم ظِهريا، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية : ٢٣] !!
لذلك وجب على المسلمين أن يبينوا لمن بهرتهم المصانع وإنتاجها، والحضارة المادية وبهرجها، أن يبينوا لهم معنى قوله تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل : ١٧] !! لعلهم يعودوا عن غيهم، ويعبدوا الله ربهم، وينقادوا له سبحانه ظاهرا وباطنا !!
فيما يلي بعض لفتات القرآن الكريم حول ما تميزت به عملية الخلق عند ربنا تعالى:*
أولا: قول ربنا العظيم كن؛ لكل شيء يريد أن يخلقه؛ فيكون !! وأنه لا يُخلق مخلوق من البشر وغيرهم، ولا تنبت نبتة، ولا تفقس بيضة؛ إلا قال الله تعالى لكل واحدة من هذه المخلوقات: كن فتكون !! قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “والآية صريحة: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. إذا أراد خلق جنين لا بد يتكلم، إذا أراد شيئا أي شيء يكون قال له كن فيكون، وهذا يقتضي أن جميع المفعولات في السموات وفي الأرض كلها ثبتت بالقول لأنها ثبتت بالإرادة، وهو سبحانه إذا أراد شيئا لا بد أن يأمره يقول كن فيكون.”[شرح القواعد المثلى] !!
فهل العلم المادي -إله العصر عند غير المسلمين- هل يقول للشيء يصنعه: كن فيكون ؟؟!! اللهم لا !!
ثانيا: يهب سبحانه الحياة لكل ما يخلق من الأحياء، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان : ٥٤]، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء : ٨٥]، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ • أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُون} [الواقعة : ٦٣-٦٤]!!
فهل العلم المادي -إله العصر عند غير المسلمين- هل يهب لأي منتج من نتاج مصانعهم الحياة ؟؟!! اللهم لا !!
ثالثا: لا يحصي كثرة ما يخلق ربنا إلا هو سبحانه !! ولذا قرّب لنا سبحانه هذه الكثرة بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان : ٢٧]، فكلمات الله التامة -ومنها كن فيكون- لا يحيط بها أحد، قال أهل التفسير: “ولو أن أشجار الأرض كلها بُريت أقلامًا والبحر مداد لها، ويُمَد بسبعة أبحر أخرى، وكُتِب بتلك الأقلام وذلك المداد كلمات الله، لتكسرت تلك الأقلام، ولنفِد ذلك المداد، ولم تنفد كلمات الله التامة التي لا يحيط بها أحد.” !!
فهل العلم المادي -إله العصر عند غير المسلمين- هل تنتج مصانعه بكثرة ووفرة تضاهي -ولو نقطة- في عددها ممّا يخلق ربنا ؟؟!! اللهم لا !!
رابعا: أن ما يخلق الله تعالى من أعداد لا يحصيها إلا هو سبحانه من الأنفس البشرية؛ إنما هو في اليسر والسهولة كخلق نفس واحدة، قال تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان : ٢٨]، قال أهل التفسير: “ما خَلْقُكم- أيها الناس- ولا بَعْثُكم يوم القيامة في السهولة واليسر إلا كخَلْق نفس واحدة وبَعْثها” !!
وهذا اليسر والسهولة في خلق الله تعالى للبشر؛ يجري كذلك على كل ما يخلق الله تعالى من غير البشر !! فخلق جميع الإبل مثلا -التي وجدت على مر العصور- في اليسر والسهولة كخلق واحد منها .. وهكذا !!
فهل العلم المادي -إله العصر عند غير المسلمين- هل يتساوى عنده إنتاج مليون سيارة وإنتاج سيارة واحدة ؟؟!! اللهم لا !!
وأخيرا: لا شك ولا ريب أن المسلم إذا نظر إلى ما يخلق الله تعالى وفق هذه اللفتات القرآنية التي ذكرتها آنفا؛ فإنه سيزداد تعظيما لربه الخلاق العليم، وصدق الله تعالى القائل: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل : ١٧] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!