الحلقة السابعة والخمسون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد : ١٦]، قال أهل التفسير: “أم أن أولياءهم الذين جعلوهم شركاء لله يخلقون مثل خَلْقه، فتشابه عليهم خَلْق الشركاء بخلق الله، فاعتقدوا استحقاقهم للعبادة ؟
آية قرآنية عظيمة تكشف سببا مهما من أسباب انحراف غير المسلمين نحو الشرك؛ وعدم تقدير الله تعالى حق قدره !!
هذه الآية العظيمة تجيب على سؤال لطالما خطر على بال المسلم: كيف لا يرى غير المسلمين قدرة الله تعالى على خلق كل شيء، خاصة في هذا العصر الذي أراهم الله تعالى فيه آياته في الكون وفي أنفسهم؛ دلالة على وحدانيته سبحانه، وأنه هو المستحق للعبادة وحده ؟؟!!
الجواب: حينما يزداد عُجب الناس بما صنعوا وأبدعوا، ويرون أنهم جاءوا بما يدهش العقول -من أبنية تناطح السحاب وأنفاق تشق حتى البحار، وأسلحة ذات دمار شامل، وغيرها من الصناعات- حتى ظنوا أنهم أوجدوا وصنعوا شيئا شبيها في العظمة بما يخلق الله تعالى -{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}- عندها يشرك المفتونون بِما صنعوا -شعروا أم لم يشعروا- مع الله تعالى إلها آخر؛ ينقادون إليه في كل صغيرة وكبيرة في مجالات حياتهم كلها، وليس في مجال الصناعة فقط، بل سلموا لهذا الإله وأطاعوه وانقادوا إليه في أمور الإنسان؛ الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، نابذين وحي الله تعالى وراء ظهورهم !! هذا الإله الذي اتخذوه شريكا مع الله تعالى هو “العلم المادي” !! فسقطوا بذلك الانقياد لهذا العلم؛ الذي خلا من هدى الله تعالى -{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص : ٥٠]- سقطوا في حمئة الجنس والإباحية، بما أباح لهم هذا العلم المادي من استحلال للزنا والشذوذ، وتفاقمت أنواع الجرائم المختلفة، وتفككت الأسر، فحق عليهم قول الله تعالى في كل من يشرك بالله تعالى: {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الزمر : ٢٦] !!
والأمثلة على هذا الانحراف في هذا العصر كثيرة، منها :
ينسى غير المسلمين عظمة البحار التي خلقها الله تعالى -وأنها بالإضافة إلى حملها للسفن ! فهي كذلك جند من جنده، أغرق بها قوم نوح؛ وفي هذا العصر أهلك تسونامي واحد مئات الألوف من البشر- ينسون عظمة ما خلق الله تعالى من بحار !! في الوقت الذي يندهشون فيه غاية الإندهاش لما صنعوا من حاملات للطائرات؛ يزيد تعداد طاقم الواحدة منها على خمسة آلاف بحّار !! فيقعوا في ذلك المزلق الذي تحدثت عنه الآية الكريمة، ويروا أن العلم المادي شريك مع الله تعالى، حيث مكنهم من صنع أشياء عظيمة؛ تشبه في عظمتها ما يخلق الإله سبحانه: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} !! وليس صناعة حاملات الطائرات فقط هو ما فتنهم ! بل شيدوا أبنية ناطحات للسحاب، وفي عالم التقنية الرقمية صنعوا الروبوتات، كما شقوا الأنفاق التي تشق البحار، وغير ذلك من الصناعات الكبيرة !!
هذه الآية العظيمة -{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}- أول من خُوطِب بها كفار قريش ! غير أنهم لم يكن لديهم القدرة آنذاك على صناعة ما يبهر العقول كما صنع غير المسلمين في هذا العصر !! فكان أن تأثر كفار قريش بهذه الآية وهذه الحجة القرآنية، وتبين لهم سخافة عبادتهم للأصنام؛ التي يصنعوا بعضها من التمر، فإذا ما جاعوا أكلوها، فهي لا تضر ولا تنفع !! فترك كثير منهم الشرك، ودخلوا في دين الله أفواجا !!
بخلاف غير المسلمين في هذا العصر؛ الذين فتنهم العلم المادي، فأخضعوا حتى الإنسان للتجارب والدراسات، فانقادوا إليه في كل جزئية من جزئيات حياتهم، ناسين أن تزكية النفوس لا تكون إلا بمنهج خالقها سبحانه وتعالى !!
أخيرا: أمّا المؤمنون بالله تعالى، التالون لكتابه الكريم فلا يقعون في هذا المزلق الشركي بفضل من الله تعالى !! ذلك أن كتاب الله تعالى بين لهم أن الله تعالى خلق الناس وما يعملون، قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات : ٩٦]، فالله تعالى خلق المواد -كالحديد وغيره – التي يصنع منها البشر هذه الصناعات العظيمة !! كما أنه سبحانه هو من خلق الإنسان ومنحه هذا العقل والسمع والأبصار والأيدي والأرجل، ممّا مكنه من صنع حاملات الطائرات وشق الأنفاق وتشييد ناطحات للسحاب، وغيرها من الصناعات التي أدهشت العقول، فالله خالق كل شيء، قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر : ٦٢] !! المؤمنون إذا وفقهم الله تعالى لصنع شيء ينتفع به الناس؛ قالوا: الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!