التأمل المفيد (١٨٦)

الحلقة الرابعة والخمسون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف : ٢٠١]، قال أهل التفسير: “إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان.” !!

ليس غريبا أن ينتبه المتقون -إذا حصل منهم تقصير في أداء واجب، أو الوقوع في منهي من ‏المنهيات- ويعودوا ويتوبوا إلى الله تعالى من قريب !! 
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف حاز هؤلاء المتقون على صفة التقوى ؟ وكيف صاروا بهذه اليقظة والانتباه حتى قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} ؟

وقبل الجواب على السؤال فإنني ألفت انتباه القارئ الكريم إلى موضوع يكاد يعرفه كل الناس: “أولادنا والتحصيل العلمي” فإن فيه طرفا من الجواب !!

لقد نجحت مؤسسات التعليم ومعهم الوالدان -مشكورين- في غرس معايير النجاح والفشل في التحصيل العلمي في نفوس الأبناء -ليحرص الأبناء على تحقيق معايير النجاح، ويربأوا بأنفسهم عن الوقوع في الفشل- وذلك على مدى ليس باليسير من العمر .. إذ يبدأ من مرحلة الطفولة؛ ويمتد حتى سني الجامعة .. وقد تُوِّج ذلك كله بمعايير للقياس؛ كاختبار القدرات واختبار التحصيل قبيل انتهاء فترة الثانوية، ناهيك عن اختبارات ومقابلات القبول في الجامعات !!

هذا الغرس الممنهج الممتد لأكثر من عقدين في نفوس الأبناء لمعايير النجاح أو الفشل في التحصيل العلمي؛ أحدث في نفوس الطلاب في جميع مراحل التعليم؛ حرصا على تحقيق النجاح الدراسي، مستحضرين مرارة الفشل حتى قبل الوقوع فيه !!
أمّا إذا حصل وأخفق الطالب فإن ألم هذا الإخفاق لا يقتصر عليه فقط، بل يتألم لذلك والداه وإخوانه .. ويتخذ الطالب وذووه كل الإجراءات التصحيحية لهذا الفشل !!

أظن أن القارئ الحصيف انتبه لما أرمي إليه بإيراد موضوع “أولادنا والتحصيل العلمي” عند التأمل في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} !!

إن تحقيق معايير النجاح في التحصيل العلمي يشكل جزءا من موضوع كلي أعظم وأكبر، له معايير نجاح وفشل وضعها خالق الكون سبحانه، ألا وهو الحياة على هذه الأرض وفق منهج الله تعالى؛ لنيل محبته ‏ورضاه، والبعد عن سخطه سبحانه !!

أخيرا: أن نكون ممّن قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} -نحن ومن استرعانا الله تعالى- عالمين بأحكام الله تعالى في عباداتنا، وعالمين بأحكامه سبحانه فيما نأتي ونذر في معاملاتنا، مدركين لأهمية ذِكر الله تعالى قياما وقعودا وعلى جنوبنا؛ لهو أعظم مشروع علمي وعملي؛ يحتاج من الأمة المسلمة؛ أفرادا ومجتمعات -بعد توفيق الله تعالى- العناية به فهما وتطبيقا على مدى العمر كله، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر : ٩٩] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!