الحلقة الحادية والخمسون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأعراف ١٠٠]، قال أهل التفسير: “أوَلم يتبين للذين سكنوا الأرض من بعد إهلاك أهلها السابقين بسبب معاصيهم، فساروا سيرتهم، أن لو نشاء أصبناهم بسبب ذنوبهم كما فعلنا بأسلافهم، ونختم على قلوبهم، فلا يدخلها الحق، ولا يسمعون موعظة ولا تذكيرًا؟” !!
الآية الكريمة تضع شرطا مهما للغاية؛ تحتاج إلى معرفته كل مؤسسة تستهدف التخطيط العمراني في بلدها !!
بداية أُذكِّر أن أهل التخصص في مؤسسات التخطيط العمراني قد وضعوا -مشكورين- دراسات في المعايير والشروط المطلوبة لبناء المدن -يُرجع إليها في مراجعها المتخصصة المبثوثة على الشبكة العنكبوتية- من هذه الدراسات: تخطيط الموقع، وتصميم مشروعات البنية التحتية، ومشروعات الإسكان، وشبكات الطرق، وغيرها !!
غير أن القرآن الكريم لفت إلى أمر غاية في الأهمية، ينبغي للقائمين على التخطيط العمراني في بلدان المسلمين أن يحسبوا له ألف حساب، وهو أن يُضمِّنوا شروط سُكنى المدن لديهم شرطا ينص على:
أن يعزم كل ساكن -هو ومن ولّاه الله تعالى أمرهم- بالعيش في مسكنهم؛ متقين لله تعالى؛ طائعين له فيما أمر؛ مجتنبين الذنوب والمعاصي؛ مهتدين بقوله تعالى -في الآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}، فقد أورثهم الله تعالى هذا السكن الجديد على أرضه التي خلقها لهم؛ وأمرهم بعدم إفسادها بمعصيته، قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف : ٥٦] !!
هذا وإن بني إسرائيل قد ضربوا من أنفسهم مثالا صارخا -في تاريخ الأمم- على عاقبة كل من لا يمتثل لأوامر الله تعالى في سُكنى الأرض؛ حين أسكنهم سبحانه القرية، واشترط عليهم الاستقامة فيها، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة : ٥٨]، فعصوا وبغوا؛ فحق عليهم العذاب حين بدلوا، قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة : ٥٩]، بل وقطّع أمتهم الواحدة إلى أمم في الأرض، وابتلاهم بالرخاء والشدة؛ رجاء أن يرجعوا إلى طاعة ربهم؛ ويتوبوا من معاصيه، قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف : ١٦٨] !!
إنه لابد للمسلمين أن يرسخ في نفوسهم أن البركة ورغد العيش في المدن والقرى إنما تأتي بتقوى الله تعالى وطاعته أولا، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف : ٩٦]، ثم بالقيام بالتخطيط العمراني المتميز؛ الذي يوفر لهم كافة الخدمات بيسر وسهولة !!
هذا وقد جعل الله تعالى البلد الحرام مثالا حيا للعالمين كافة؛ لينظروا كيف جعله سبحانه بلدة آمنة مطمئنة؛ بسبب التوجيه الشرعي لساكنيها وزائريها بشدة تعظيمهم لله تعالى فيها؛ وإخباتهم له، قال تعالى: {وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين : ٣] !!
وأخيرا: إن أولي الألباب -أصحاب العقول الواعية- هم الذين مدحهم الله تعالى؛ لتفكرهم فيما حصل للأمم السابقة؛ والعذاب الذي طال مساكنهم -حينما لم يفوا بالشرط الرباني لسُكنى الديار؛ بالابتعاد عن الذنوب،قال تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ} [طه : ١٢٨]، تأمل قوله تعالى {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ} !!
ونحن نسير على خُطى أولي النُّهى الذين مدحهم الله تعالى، ونتفكر فيما يحصل في عصرنا الحاضر لأمم تشرك مع الله تعالى آلهة أخرى؛ وتعلن الإباحية، من ذلك: تفكرنا فيما أصاب الجنوب والغرب الأوسط الأمريكي يوم السبت قبل الماضي، حيث ضربها عدد كبير من الأعاصير في وقت واحد؛ من نوع (Tornado) أو (Twister)، وكان أشدها الإعصار الذي ضرب ولاية كنتاكي؛ مصداقا لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} [الرعد : ٣١]، وهو الإعصار الأقوى على مر تاريخ الولاية كله، فقد استمر لمدة تسعين دقيقة، وبلغت سرعة الرياح فيه (٤٥٠ كيلو متر في الساعة)، نتفكر في ذلك ونقول: اللهم ارحم غير المسلمين بهدايتهم إلى طريقك المستقيم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!