التأمل المفيد (١٨٢)

الحلقة الخمسون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف : ٣١] !!

تصدّر -على منصة تويتر هذا الشهر- هاشتاق لموت شخصية أمريكية مشهورة في رياضة كمال الأجسام؛ هو جورج بيترسون (George Peterson)، عن عمر يناهز السابعة والثلاثين !!

ومع يقيني بأن الموت والحياة بيد الله تعالى؛ غير أن الخبر استوقفني -وخاصة وفاته وهو شاب- وما إن بحثت عنه في وسائل التواصل الاجتماعي إلا وهالني كثرة المقاطع والمقالات التي تتكلم عن موت مجموعة من محترفي هذه الرياضة في السنوات الخمس الأخيرة، بلغ عددهم (٢٨)، في أمريكا وخارجها، ذكرهم الكاتب Matthew Magnante في مقاله: Remembering 28 Bodybuilders Who Passed Away (2017-2020)، المقال بعنوان: ذكرى موت ٢٨ من رياضيي كمال الأجسام بين عامي ٢٠١٧ و ٢٠٢٠ !!*
*ثم قرأت مقالا حول أسباب وفاة مشاهير رياضة كمال الأجسام بعنوان “CAN BODYBUILDING KILL YOU? A DIFFICULT DISCUSSION)، المقال بعنوان: هل يمكن لرياضة كمال الأجسام قتلك ؟ “نقاش صعب” للكاتب Matt smith !!
وبعد هذا السرد الإخباري؛ أستعين بالله تعالى وأقول:

مع أن الإسلام رغّب في أن يكون المسلم قويا، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ)[رواه مسلم (٢٦٦٤)]، والقوة الجسدية لون من ألوان القوى التي حث عليها الإسلام، وأي رياضة يَقْوى بها الجسد فهي مشروعة؛ إلا ما نهى عنه الإسلام من الممارسات الخاطئة لأنواع الرياضة المختلفة !!

غير أن الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال، والتي جاء فيها النهي عن الإسراف: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}- كشفت لي ألوانا من الإسراف يمارسه محبو رياضة كمال الأجسام من غير المسلمين، أسوقها هنا حتى يتجنبها محبو هذه الرياضة من المسلمين، من ذلك:

أولا: إسراف وهوس في تكبير وتضخيم العضلات: فبالرغم من الشعار الذي يرفعه ممارسو هذه الرياضة من غير المسلمين وهو: “حياة صحية أفضل، وجمال في المظهر”، فإن الهوس في الإسراف في تضخيم العضلات عاما بعد عام؛ تحت إلحاح الجماهير لرؤية استعراض أفضل في المسابقات القادمة؛ دفع ببعض ممارسي هذه الرياضة إلى تعاطي أنواع من العقاقير كالمنشطات، والأنسولين -لمشاهير لم يكونوا من مرضى السكر- وأدوية تنشيط هرمون النمو البشري؛كانت سببا في مضاعفات صحية خطيرة، وفي بعض الأحيان قاتلة، وكأنهم عملوا عكس الشعار الذي رفعوه .. وإن موت ٢٨ من محبي هذه الرياضة؛ معظمهم في ريعان شبابهم -في خمس سنوات- لهو أكبر دليل على هذا الإسراف !!
 
ثانيا: إسراف وهوس في حب البروز والظهور: وهنا يأتي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: (إنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)[رواه مسلم (٢٥٦٤)]، كدليل على افتقار غير المسلمين لمثل هذا التوجيه النبوي الشريف، فصار الإسراف في حب البروز والظهور ثقافة لديهم؛ في الرياضة والمسرح والسينما، ناهيك عن مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي؛ حتى باتت النجومية هدفا للناس هناك !!*
*فالحمدلله على نعمة الإسلام؛ الذي جعل أكرم الناس -عنده سبحانه- أتقاهم .. وأمّا البروز والظهور؛ فقد برز الصالحون من المسلمين؛ بأعمالهم الصالحة المؤثرة في مجتمعاتهم، رغم إخلاصهم وعدم رغبتهم في البروز والظهور !!   

ثالثا: إسراف وهوس في كشف العورة: وما ذاك إلا لافتقار غير المسلمين إلى الاستسلام لله تعالى، ومن ثم افتقارهم إلى توجيه الإسلام في بيان حدود عورة الرجل؛ وأنها من السرة إلى الركبة، فتجدهم يستعرضون بعضلاتهم وهم شبه عراة، وفي هذا امتهان للإنسان، وانحطاط به إلى مستوى الحيوان؛ الذي لا يغطي عورته إلا ذيله، وقد خاطب الله تعالى جنس بني آدم فقال: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف : ٢٧] !!

أخيرا: كم يفتقر غير المسلمين إلى الاستسلام لله تعالى؛ ولمنهجه القويم؛ حتى تستقيم حياتهم على ما فطرهم الله تعالى عليه !!*
*وإن من توجيهات منهج الإسلام العظيم للمحافظة على النفس البشرية ما قاله سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: “إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا”، وصدّق الرسول صلى الله عليه وسلم على كلامه فقال: (صدَقَ سَلْمانُ)[رواه البخاري (١٩٦٨)] !!
فجسد الإنسان أمانة عنده، يجب المحافظة عليه؛ بالبعد عن الإسراف في المأكل والمشرب، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}، وكذلك عدم الإسراف في تعاطي العقاقير بدون وصفة طبية، وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة : ١٩٥]، والبعد عن شرب الخمر؛ فهي أم الخبائث، قال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث)[صححه الألباني في صحيح النسائي (٥٦٦٧)]، وغير ذلك من التشريعات للمحافظة على النفس البشرية !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!