التأمل المفيد (١٨١)

الحلقة التاسعة والأربعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام : ٧٥]، قال أهل التفسير: “وكما هدينا إبراهيم عليه السلام إلى الحق في أمر العبادة نُريه ما تحتوي عليه السموات والأرض من ملك عظيم، وقدرة باهرة، ليكون من الراسخين في الإيمان.” !!

نقف مع هذه الآية الكريمة متأملين ومتدبرين:

فطر الله تعالى البشر على الإعجاب والانبهار بالأمور العظيمة !! ولذا نرى أن الدول إذا أرادت أن تبهر الناس بإنجازاتها؛ فإنها تعمد إلى إبراز أعظم ما لديها من منشآت وصناعات؛ حتى يحصل الانبهار من الناظرين !! وكذلك يفعل الأفراد إذا أراد أحدهم أن يبهر الناس بما لديه من إنجازات !!

ولله المثل الأعلى !! لأن خلق السماوات والأرض من أعظم ما خلق الله تعالى في هذا الكون المنظور، قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر : ٥٧] !! جاءت عشرات الآيات التي تحث على النظر إليها !!

وأول من خوطب بالنظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكر فيه هم الرسل عليهم السلام !!

فهذا نوح عليه السلام يوجه قومه إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكر فيه، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح : ١٥] !!

وإبراهيم إمام الموحدين عليه السلام؛ يُوجه إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكر فيه، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام : ٧٥]!!

وموسى عليه السلام يوجه فرعون وملأه إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكر فيه، قال تعالى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ} [الشعراء : ٢٤] !!

وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم يُوجه إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكر فيه، قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة : ١٠٧] !!

أخيرا: إذا كان الرسل عليهم السلام؛ الذين يوحى إليهم أدركوا -بتربية الله تعالى لهم- أن من أعظم ما يرسخ إيمانهم؛ هو النظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكر فيه !! فإنه يكون من باب أولى أن يعتني أتباعهم بالنظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكر فيه، قال تعالى في حق المؤمنين: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} [العنكبوت : ٤٤] !! وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة (ويل) لمن قرأ قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}، ولم يتفكر فيها !! حسنه الألباني [صحيح الترغيب والترهيب (1468)].
وبين تعالى أن الذاكرين له سبحانه يتفكرون في خلق السماوات والأرض، قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران : ١٩١] !!

وإذا كان العقلاء من البشر يوقنون أن ما من منشأة تُشيّد إلا كان وراء تشييدها هدف وحق واضح ! ولا يرضون لنزلاء تلك المنشأة أن ينحرفوا بها عن الهدف الذي أنشأت من أجله؛ مما يؤدي إلى الفساد والهلاك  !!
ولله المثل الأعلى، فكذلك السماوات والأرض ما خلقهما الله تعالى إلا لحق وهدف واضح، قال تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الجاثية : ٢٢] !! إنه الجزاء في الآخرة على ما كسب الناس على هذه الأرض وتحت هذه السماء !! ونهى وحرم سبحانه عن الانحراف عن الحق -الذي من أجله خلق سبحانه السماوات والأرض- وذلك بعصيانه وعصيان رسله عليهم السلام، حتى لا يقع الفساد والهلاك، قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف : ٥٦] !!

فهلا استجبنا لتوجيه ربنا العلي العظيم؛ فننظر في ملكوت السماوات والأرض، ونتفكر فيهما على الدوام، حتى نزداد تعظيما لله تعالى، ونزداد بهذا التعظيم إقبالا على الله تعالى، وانقيادا لمنهجه القويم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!