الحلقة الثامنة والأربعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة : ٧٢] !!
هذه الآية الكريمة تكشف لنا جانبا من جوانب موضوعات الدعوة التي انتهجها الأنبياء عليهم السلام -بوحي من الله تعالى- في دعوة غير المسلمين، وهو أن نبين لهم حِرمانهم من دخول الجنة؛ إذا ماتوا على شركهم وتكذيبهم !!
ولذلك كان من أعظم وأجل أعمال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم -الذي هو أعلم البشرية بنعيم الجنة- دعوة غير المسلمين، لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الحِرمان من دخول الجنة إلى أن يكونوا من أهلها؛ إذا هم أسلموا لله رب العالمين، قال صلى الله عليه وسلم: (فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم)[متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي)[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٩٤٧)]، وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد دوسًا وأتِ بهم)[متفق عليه] !!
ومن قبله صلى الله عليه وسلم نهج الرسل عليهم السلام ذات النهج، فهذا عيسى عليه السلام -في الآية التي هي موضع التأمل- يخوف بني إسرائيل من الشرك؛ الذي بسببه يُحرم المشرك من دخول الجنة، قال تعالى: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}، وبنو إسرائيل منهم من كذّب عيسى عليه السلام؛ وهم اليهود المغضوب عليهم، ومنهم من جعل عيسى إلها؛ وهم النصارى الضالون !!
ونحن على خُطى سيد المرسلين -عليه الصلاة والسلام- ندرك أن النصوص القرآنية التي حرّم الله تعالى فيها الجنة على غير المسلمين؛ تهدف إلى إيصال مرارة هذا الحِرمان إلى نفوسهم؛ متى ما سمعوا أو قرأوا هذه الآيات، وهي مرارة حقيقية يحسون بها في الدنيا؛ غير أنهم يخفونها عنا، قال تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ} [الأنعام : ٢٨]، قال أهل التفسير: “ليس الأمر كذلك، بل ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا، وإن كانوا يظهرون لأتباعه خلافه” !!
ولتقريب المعنى: نحن في هذه الدنيا نحزن ونأسف وتضيق صدورنا؛ إذا مُنِعنا من دخول ما نطمع في رؤيته من الأماكن والمنشآت العظيمة الجميلة .. فكيف بأسى وحزن وحسرة من حرّم الله تعالى عليهم -في الآخرة- دخول جنات النعيم، وكتب عليهم الخلود في نار الجحيم ؟؟!!
فدعونا نقف وقفتين مع بعض الآيات الكريمات التي تُبين لنا حِرمان المكذبين بآيات الله تعالى؛ المستكبرين عنها من دخول الجنة، لعلّ هذه الوقفات تدفعنا إلى دعوة غير المسلمين؛ وهم بعدُ في هذه الدنيا:
الوقفة الأولى: استحالة دخول غير المسلمين الجنة -إذا ماتوا على كفرهم وتكذيبهم- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف : ٤٠] !!
الوقفة الثانية: لو جاء غير المسلم -يوم القيامة- بستة بليون تريليون طن من الذهب -وهو وزن الأرض كما يقول أهل الاختصاص- لم تعتقه من دخول النار والخلود فيها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران : ٩١] !!
*ةومع إدراكنا بأن الخطاب القرآني الكريم موجه للعالمين؛ وليس للمؤمنين فقط؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سمع غير المسلمين بهذه الآيات؛ وشبيهاتها ؟؟!!
الجواب: في الغالب أنهم لم يسمعوها !!
فهلا أوصلنا لغير المسلمين؛ ترجمة معاني القرآن العظيم؛ ليمروا عند قراءته على هذه الآيات العظيمة -التي تأملناها في هذا المقال- علّهم ينتبهوا من غفلتهم، ويعودوا لدين الفطرة، ويسلموا لله رب العالمين، وينضموا إلى قافلة الموحدين لله تعالى الموعودين بجنات النعيم !!
ومن أعظم الآثار الإيجابية لدعوة غير المسلمين: أن مجتمعاتهم ستتغير ديموغرافيا لصالح الإسلام والمسلمين؛ كلما دخل فيها مسلمون جدد .. وهو فتح فيه شيء من الشبه من نوع الفتح الذي حصل في صلح الحديبية؛ حيث دخل الكثير في الإسلام في تلك الهدنة، وسماه الله فتحا مبينا، قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح : ١] !!
كذلك من الآثار الإيجابية لدعوة غير المسلمين: إظهار عظمة قيم هذا الدين؛ الذي يُرغِّب أتباعه في إخراج المكذبين بهذا الدين -حتى لو كانوا اليهود الغاصبين- من الظلمات إلى النور، ومن الحرمان من دخول جنات النعيم؛ إلى الفوز بها مع الفائزين !!
وأخيرا: لو سأل سائل كيف أدعو غير المسلمين في هذا العصر ؟!
فإنني أنصح -لمن صعُب عليه دعوتهم مباشرة- أنصحه بدعم الجهات الدعوية التي تُعنى بدعوتهم عن طريق الشبكة العنكبوتية؛ كجمعية ركن الحوار الأهلية، وكذلك كثير من المكاتب التعاونية التي لها عناية بدعوة غير المسلمين، وخاصة مع سهولة دعم المكاتب التعاونية عن طريق تطبيق الراجحي !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!