التأمل المفيد (١٧٨)

الحلقة السادسة والأربعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام : ١٤]، قال أهل التفسير: “وخص الإطعام بالذكر دون غيره من ضروب الإنعام ; لأن الحاجة إليه أمس لجميع الأنام .” !!

نقف مع هذه الآية الكريمة متأملين ومتدبرين:

تنوعت المأكولات والمشروبات التي يتفنن البشر في تصنيعها وتقديمها للناس في هذا العصر !! وهي جميعها مصنعة مما أخرج ربنا سبحانه للناس من الأرض من نبات، وما أنزل من السماء من ماء، وما خلق من بهيمة الأنعام، والطير، واللحم الطري الذي امتلأت به البحار والأنهار، وغير ذلك كثير مما أطعم الله تعالى الناس، قال تعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} !! حتى أنه يصعب على المتسوق حصر أعداد المطاعم ومراكز تسويق المواد الغذائية في المدينة الواحدة لكثرتها، ناهيك عن البيوت، وتفنن النساء في الطهي وتقديم الطعام !!

فهل يا ترى كان لهذا التنوع في المأكول والمشروب -الذي أطعم الله تعالى البشر، {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}- هل كان لهذا التنوع من أثر في ارتفاع نِسب الداخلين في دين الله تعالى، خاصة أن الآية الكريمة خاطبت غير المسلمين ؟؟!!

يجهل غير المسلمين أن الله تعالى جعل من الطعام والشراب بوابة عظيمة لتعظيمه سبحانه؛ بأنه فاطر السماوات والأرض؛ الذي يجب الاستسلام له؛ ونبذ وترك الشرك !! فجاءت هذه الآية الكريمة لتُزيل هذا الجهل لديهم، قال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} !!
إن هذه الآية الكريمة التي حوت قول الله تعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ }، جاء في أولها تعظيم لفاطر السماوات والأرض، قال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} !! وجاء في آخرها التحذير من الشرك؛ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلن بأنه أول من أسلم، وألا يكون من المشركين، قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، هذا هو المراد من حديث القرآن الكريم عن إطعام الله تعالى للناس؛ تعظيمه سبحانه وتوحيده، ونبذ الشرك؛ الذي هو أعظم الظلم، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان : ١٣] !!

وعلى العكس من مراد الله تعالى الذي دعت إليه الآية الكريمة -الذي ذكرته آنفا- صار الأكل والشرب فتنة لغير المسلمين !! إذ لم يتعد اهتمامهم به عن التنافس في تحسين مذاقه وتجميل عرضه فقط !! وفاتهم التأمل في مصدر طعامهم وشرابهم؛ ليهتدوا به إلى فاطر السماوات والأرض؛ الله رازقهم سبحانه العليم القدير !! ولذلك بقوا على الشرك الذي هم عليه !! وصدق الله تعالى في وصفهم بأنهم يأكلون كما تأكل الأنعام، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [محمد : ١٢] !!

وكيف لا يكون إطعام الله تعالى للناس -{وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ }- أمرا يوجب تعظيمه سبحانه، وتنزيهه عن الشريك؛ والحاجة للإطعام أمس لجميع الأنام، كما قال أهل التفسير ؟؟!!

أخيرا: صار واجبا على المسلمين عموما، والدعاة منهم على وجه الخصوص؛ أن يعتنوا بالمعاني الجليلة لقوله تعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}؛ عناية فائقة، وأن يعقدوا لذلك وِرش العمل؛ لاستخراج هذه المعاني من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم نشرها؛ لينتفع بها الناس عموما، وغير المسلمين على وجه الخصوص !!*

من هذه المعاني الجليلة:
إطعام الله تعالى لخلقه؛ مدعاة لتعظيمه سبحانه، فهو فاطر السماوات والأرض، وهو خالق هذه المأكولات والمشروبات !!
إطعام الله تعالى لخلقه؛ مدعاة لنبذ الشرك، فلا خالق لهذه المأكولات والمشروبات إلا الله تعالى وحده !!*
*إطعام الله تعالى لخلقه؛ مدعاة للتأمل في تصريف الله تعالى للأمطار بين الناس، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان : ٥٠] !! وأن الله تعالى جعل من الماء كل شيء حي !!
إطعام الله تعالى لخلقه؛ مدعاة للتأمل في خلق الله تعالى للنبات، وخاصة التأمل في عملية التمثيل الضوئي في النباتات، وأن النبات يصنع غذاءه لنفسه، وكذلك يصنع غذاء البشر والأنعام، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة : ٢٧] !! وقد خلق الله تعالى من النباتات نحو نصف مليون نبتة؛ كما يقول أهل الاختصاص !!
إطعام الله تعالى لخلقه؛ مدعاة للتأمل فيما خلق الله تعالى من بهيمة الأنعام؛ لحومها وألبانها !!*
إطعام الله تعالى لخلقه؛ مدعاة للتأمل في الثروة الغذائية في البحار والأنهار !!
إطعام الله تعالى لخلقه؛ مدعاة لإبراز البحوث العلمية التي توصل لها العلماء المتخصصون في هذا العصر، والتي تعكس عظمة الخالق سبحانه فيما خلق للناس من مطعم ومشرب !!
وغير ذلك من المعاني الكثيرة العظيمة المبثوثة في الوحيين !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!