التأمل المفيد (١٧٧)

الحلقة الخامسة والأربعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}[المائدة ٦٦]، قال أهل التفسير: “ولو أنَّهم عملوا بما في التوراة والإنجيل، وبما أُنْزِل عليك أيها الرسول – وهو القرآن الكريم – لرُزِقوا من كلِّ سبيلٍ، فأنزلنا عليهم المطر، وأنبتنا لهم الثمر، وهذا جزاء الدنيا.” !!
كلما تأملت في هذه الآية الكريمة ومثيلاتها من الآيات؛ كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف : ٩٦]؛ كلما تعجبت من سهولة الطريق لأي أمة -إذا يسر الله تعالى لها ذلك- أن تخطو نحو النمو الاقتصادي الذي وعد الله تعالى به من يستسلمون له وينقادون لشرعه القويم !!

من رحمة الله تعالى بخلقه، ومنهم أهل الكتاب -اليهود والنصارى- أن خاطبهم بهذه الآية الكريمة؛ التي تضمن لهم الحل الجذري لمشكلة الكساد الاقتصادي الذي يُنذِرون ويُحذِّرون أنفسهم وغيرهم منه هذه الأيام؛ وهو الاستسلام لله تعالى والانقياد لشرعه، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ} !! فإن هم فعلوا ذلك؛ أنجز لهم وعده برفاه اقتصادي، قال تعالى في نفس الآية: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} !!

إن عدم الاستسلام للخالق سبحانه وعدم التمسك بمنهجه القويم -وهو العليم بالمنهج الذي يصلح لخلقه؛ وهو الإسلام- جعل أهل الكتاب يتخبطون في معرفة الخبيث من الأقوال والأعمال التي تضرهم، والطيب منها التي تنفعهم !! ذلك أن المرجع الحق في معرفة الخبيث والطيب من الأقوال والأعمال هو خالق البشر سبحانه، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف : ١٥٧]، والاستسلام له سبحانه يكون بقول طيب؛ شهادة التوحيد، وبعمل طيب؛ اتباع شرعه سبحانه القويم !!

هذا الجهل والتخبط في معرفة الخبيث والطيب من الأقوال والأعمال يستنزف كل الموارد المتاحة لديهم بما يعود عليهم بالضرر، ويؤدي إلى الكساد الاقتصادي، وما يتبع هذا الكساد من مضاعفات سلبية في مناحي الحياة المختلفة !!
وأكبر وأهم الموارد المستنزَفة لدى اليهود والنصارى هو الإنسان نفسه !! ذلك أنهم جعلوا المادة والإنتاج المادي محورا رئيسا؛ يدور حوله كل شيء لديهم؛ وليس الإنسان !!
أمّا في الإسلام؛ فإن الله تعالى سخر للإنسان -وهو المُكرم عند الله تعالى على سائر الخلائق- سخر له كل ما في هذا الكون المادي، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية : ١٣]، ليبقى الإنسان وقيمه التي ارتضاها الله تعالى له المحور الثابت والرئيس الذي يدور حوله كل شيء !!

ويكفي تدليلا على ضياع الإنسان لدى أهل الكتاب -حينما طغت قيمة المادة على قيمة الإنسان لديهم- تفاقم مشكلة التفكك الأسري !! حتى كثُر بينهم زواج مبني على الصداقة؛ لا عقد فيه؛ ولا مسؤولية؛ يعترف به المجتمع ولا يستنكره !! وهذا -لعمر الله- لهو قمة التخبط في معرفة الخبيث والطيب؛ أن يُنبذ الزواج الذي هو من الطيبات، ويُستحل الزنا الذي هو من الخبائث !!*
*ناهيك عن خبيثة زواج المثليين لديهم؛ التي عاقب الجبار سبحانه مرتكبيها في ماضي التاريخ -قوم لوط- ليس بكساد اقتصادي؛ بل بما هو أدهى، أهوى بقريتهم، وجعل عاليها سافلها، قال تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ} [النجم : ٥٣] !!

وأخيرا: فإن المحاور التي تقود إلى الكساد الاقتصادي لدى أهل الكتاب كثيرة جدا، ولا تنحصر في استنزاف الإنسان فقط؛ الذي بينته آنفا !! وليس هنا مجال بسط باقي المحاور .. ويمكن للمسلم تتبعها بسهولة من كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم !!
ولكن الذي يعنيني هنا هو طرح التفسير الرباني لجذور مشكلة الكساد الاقتصادي لأمم ارتقت وبلغت في الصناعة ما بلغت، ألا وهو التخبط والجهل بالخبيث والطيب من الأقوال والأعمال؛ كنتيجة حتمية لعدم الاستسلام لله تعالى واتباع شرعه، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} !!

ويبقى الأمر الأخطر على أهل الكتَاب؛ وغيرهم من الأمم غير المسلمة؛ أن يمعنوا ويزدادوا في كفرهم وصدهم عن سبيل الله تعالى؛ فيقدموا على الاستهزاء بالله تعالى أو برسوله صلى الله عليه وسلم، وعندها سيكون كسادهم وفسادهم وعذابهم أكبر وأعظم، قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل : ٨٨]، وقال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [الرعد : ٣٢] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!