التأمل المفيد (١٧٥)

الحلقة الثالثة والأربعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ • يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة : ١٥-١٦] !!

مخاطبة أصحاب الحضارة الغربية في هذا العصر؛ بما ينفعهم في رحلة الحياة الدنيا -وجُلُهم من اليهود والنصارى- أمر رباني، دعتا إليه الآيتان الكريمتان اللتان هما موضع التأمل في هذا المقال؛ عندما خاطبتا أهل الكتاب منذ ألف وأربعمائة عام !!

ولتقريب موضوع خطاب الآيتين لأهل الكتاب أقول:
يفقه أهل الكتاب -وهم أهل الفتوحات المادية الضخمة في هذا العصر- يفقهون ضرورة التقيد في معاملهم ومصانعهم وكل مؤسساتهم بخارطة العمل المرسومة -التي خطها أصحاب العلم والخبرة- وما تحويه من تعليمات وإجراءات، حتى تثمر الجهود في إخراج منتج ناجح ومأمون ومميز !!*

ولله المثل الأعلى .. تأتي الآية الكريمة لتبشر اليهود والنصارى بكتاب يحوي منهجا عقديا وعمليا شاملا؛ من لدن حكيم عليم: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ • يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}، يبين لهم فيه سبحانه الطريق الأمثل، ويقودهم به إلى الحياة الطيبة الآمنة، ليس لإنجاح مصانعهم ومؤسساتهم؛ بل فيما هو أكبر وأعظم من ذلك بكثير: مجال الحياة الدنيا الواسع الكبير !!
كما يبعدهم ويحذرهم -هذا النور والكتاب المبين- من كل المخاوف والمخاطر، ويدلهم على النهج القويم والصراط المستقيم بكل ما يحويه من مكاسب ونجاحات؛ طوال رحلتهم في هده الدنيا: {وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} !!

وكما يتوعد أهل الحضارة المعاصرة المقصرين في أداء العمل -في مصانعهم ومؤسساتهم؛ وفق مسار الخارطة المرسوم- بالمحاسبة والعقوبة؛ مخافة الفشل والكساد !!

ولله المثل الأعلى .. فقد توعد الله تعالى من ينحرف من أهل الكتاب عن أخذ منهجه القويم باللعن والطرد من رحمته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء : ٤٧]، وهذا الوعيد الشديد يناسب حجم الشقاء العظيم الذي يجلبه لنفسه ولمجتمعه من يستنكف ويستكبر عن الاستسلام لله رب العالمين !!

أخيرا: إنه لمن المؤسف أن يتشكى أصحاب الحضارة الغربية من مظاهر تفكك الأُسر وتفشي الجريمة لديهم، بل ومظاهر انهيار حضارتهم؛ ثم لا يبحثون عن الحل الجذري والأمثل في الإسلام؛ الذي زاد عن هدايته لأهل الكتاب في هذه الدنيا؛ إلى ضمان مستقبل أكثر أمنا وسعادة في حياة أخروية خالدة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة : ٦٥] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!