التأمل المفيد (١٧٤)

الحلقة الثانية والأربعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء : ١٧٠]، نزلت هذه الآية الكريمة في زمن كان المسلمون فيه أقلية بجانب إمبراطوريتي فارس والروم، فملأت قلوب المؤمنين تعظيما لخالقهم العلي الكبير !!*
فدعونا نتأملها ونتدبرها حتى تمتلئ قلوبنا تعظيما لله الذي له ما في السماوات والأرض !!

الوقفة الأولى: صححت الآية الكريمة للناس -{يَا أَيُّهَا النَّاسُ}- مساحة الإيمان والكفر في السماوات والأرض -{وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}- حيث بينت أن الكفار من البشر قلة؛ يتواجدون في مساحة صغيرة على هذه الأرض الشاسعة الكبيرة !!
أمّا المؤمنون بالله تعالى المستسلمون له سبحانه؛ من جميع ما خلق الله تعالى في هذا الكون الكبير الفسيح؛ فقد شغلوا -مع المؤمنين الموجودين على هذه الأرض من البشر- مساحة عرضها السماوات والأرض، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج : ١٨] !!
هذه المعرفة الربانية بضخامة المساحة التي يشغلها المؤمنون بالله تعالى في هذا الكون الفسيح؛ ترد وتدحض الصورة الكالحة التي يحاول أن يرسمها شياطين الإنس والجن عن المؤمنين بأنهم أقلية، رائدهم في ذلك فرعون؛ فيما حكى القرآن الكريم قوله عن المؤمنين: {إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء : ٥٤]، ثم ما لبث أن أغرقه الله تعالى في البحر !!
والبحر من بين المسبحين لله تعالى، قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء : ٤٤]، المنقادين لأمره سبحانه، انفلق فأنجى الله تعالى المؤمنين، ثم أطبق على فرعون وجنده !!
إنه البحر الذي حفظ بأمر الله تعالى موسى الرضيع عليه السلام، وألقاه بالساحل، ليلتقطه آل فرعون !!

الوقفة الثانية: نحن في عصر تتباهى فيه بعض الدول غير المسلمة وتستعلي بجيوشها الجرارة التي بلغ تعداد بعضها المليون مجند، وبترسانتها من الأسلحة المتنوعة؛ البرية والبحرية والجوية !!*
وقد يصاب بعض المسلمين -ممن غاب عن معرفته أن من بين المؤمنين بالله تعالى المستسلمين له سبحانه الذين شغلوا بإيمانهم مساحة عرضها السماوات والأرض؛ الملائكة عليهم السلام- قد يصاب بالهزيمة النفسية والإحباط إزاء تعداد تلك الجيوش !!
لكن ما إن يقف المسلم عند قوله تعالى: {وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ويتذكر أن من أعظم من يشغل المساحة الإيمانية التي عرضها السماوات والأرض؛ هم الملائكة الكرام عليهم السلام، فإن ذلك الإحباط والهزيمة النفسية يتلاشى ويزول !! وكيف لا يزول الإحباط وقد بين الله تعالى وقوف الملائكة عليهم السلام مع المؤمنين في القتال، قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال : ٩]، وقال تعالى: {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران : ١٢٥] ؟؟!!

لقد حظي الركن الثاني من أركان الإيمان -الإيمان بالملائكة عليهم السلام- بكثير من التفصيل في القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ لدورهم العظيم الذي أسنده الله تعالى لهم في التعامل مع البشر !!

والملائكة عليهم السلام خلق كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، أَطَّتِ السَّماءُ، وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ واضِعٌ جَبْهَتَهُ ساجِدًا لله تَعَالى) [حسنه الألباني في صحيح الجامع (2449)] !! كما ان البيت المعمور قال فيه صلى الله عليه وسلم: (يَدْخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ)[صحيح مسلم (161)] !! ولو أردنا أن نحسب عدد من يطوف منهم بالبيت المعمور خلال عام واحد فقط؛ لفاقوا الخمس وعشرين مليوناً !!

وأخيرا: فقد بلغ من عظمة الملائكة عليهم السلام؛ أن منهم حملة أعظم ما خلق الله تعالى؛ عرش الرحمن سبحانه !! في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (أُذِنَ لي أن أحدِّثَ عن ملَكٍ مِن ملائِكَةِ اللَّهِ تَعالى مِن حَمَلةِ العَرشِ إنَّ ما بينَ شَحمةِ أذُنِهِ إلى عاتقِهِ مَسيرةُ سَبعِمائةِ عامٍ )[صححه الألباني في صحيح الجامع (854)] !! فسبحان رب الملائكة الخلاق العظيم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!