الحلقة الحادية والأربعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء : ١٣٢]، قال أهل التفسير: “ولله ملك ما في هذا الكون من الكائنات، وكفى به سبحانه قائمًا بشؤون خلقه حافظًا لها.” !! وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر : ٦٢]، قال أهل التفسير: “الله تعالى هو خالق الأشياء كلها، وربها ومليكها والمتصرف فيها، وهو على كل شيء حفيظ يدَبِّر جميع شؤون خلقه.” !!
اسم الله تعالى الوكيل الذي ورد في الآيتين الكريمتين، وفي غيرهما من آيات الكتاب العزيز؛ يتردد كثيرا على لسان كل مسلم؛ مثل قولنا توكلت على الله .. فدعونا نتأمل في معنى جليل لهذا الاسم العظيم؛ وهو أنه سبحانه المتصرف في كل ما خلق في السماوات وفي الأرض، متى شاء وكيف يشاء، بمقتضى حكمته وعلمه !!
ولتقريب هذا المعنى العظيم لاسم الله تعالى الوكيل، الذي ذكرته آنفا -وهو أنه سبحانه المتصرف في كل ما خلق في السماوات وفي الأرض، متى شاء وكيف يشاء، بمقتضى حكمته وعلمه- فإنني أضرب مثالا من تعاملات البشر:
نحن البشر إذا منح الواحد منا شخصا: “وكالة عامة”، نعي أن لهذا الشخص حق التصرف في كل ما يملك موكله؛ كيفما شاء، وفي أي وقت شاء !!*
ولله المثل الأعلى، الله تعالى الوكيل؛ أي المتصرف سبحانه في كل ما خلق، في السماوات وفي الأرض، متى شاء وكيف يشاء، بمقتضى حكمته وعلمه !!*
*وفيما يلي أسوق بعض الأمثلة لبيان أن الله تعالى الوكيل؛ يتصرف فيما خلق في السماوات والأرض، متى شاء وكيف يشاء، بمقتضى حكمته وعلمه:
الله تعالى وكيل علينا نحن البشر: فإن شاء يذهب بنا ويأت بآخرين، بمقتضى حكمته وعلمه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا • إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرا} [النساء : ١٣٢-١٣٣] !! لأنه هو الوكيل سبحانه على البشر، فهو من خلقهم ويتصرف فيهم كيف يشاء، متى شاء، بمقتضى حكمته وعلمه !!
ومن ذلك البحر: أمره الله تعالى أن ينشق لإنقاذ موسى عليه السلام والمؤمنين معه، ففعل واستجاب لأمر الله تعالى !! لأنه هو الوكيل سبحانه على البحر، فهو من خلقه ويتصرف فيه كيف يشاء، متى شاء، بمقتضى حكمته وعلمه !!
ومن ذلك الحوت: أمره الله تعالى ألا يأتي إلى قرية من قرى اليهود الساحلية سوى يوم السبت فقط، فأذعن واستجاب لأمر الله تعالى !! لأنه هو الوكيل سبحانه على الحوت، فهو من خلقه ويتصرف فيه كيف يشاء، متى شاء ، بمقتضى حكمته وعلمه !!
ومن ذلك النار: التي من خاصيتها الإحراق .. جعلها الله تعالى بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام !! لأنه سبحانه هو الوكيل عليها، فهي من خلقه، يتصرف فيها كيف يشاء، متى يشاء، بمقتضى حكمته وعلمه !!
وغير ذلك من المخلوقات المادية المحسوسة في السماوات والأرض؛ فإن الله تعالى هو الوكيل عليها، يتصرف فيها متى شاء وكيف يشاء، بمقتضى حكمته وعلمه !!
وكذلك الله تعالى هو الوكيل على القلوب من جهة الهداية أو الضلال، يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} [الزمر : ٤١]، قال أهل التفسير في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}، “وما أنت -أيها الرسول- عليهم بوكيل تحفظ أعمالهم، وتحاسبهم عليها، وتجبرهم على ما تشاء، ما عليك إلا البلاغ.” !! فلا يملك هداية التوفيق إلا الله تعالى !!
وأخيرا: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ هم أعلم الناس بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فها هو إبراهيم عليه السلام يُبين أن الله تعالى وكيل عليه في كل شيء؛ في خلقه وهدايته، وفي مأكله ومشربه، وفي شفائه من مرضه، وفي موته وبعثه، قال تعالى حاكيا عن إبراهيم قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ • وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ • وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ • وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء : ٧٨-٨١] !!*
*وقال صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا ، وتروح بطانا)[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (310)]، ولذا فإن التوكل الحق على الله تعالى؛ هو إيمان الموحد بأن الله تعالى هو المتصرف في كل ما خلق في السماوات وفي الأرض، متى شاء وكيف يشاء، بمقتضى حكمته وعلمه !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!