التأمل المفيد (١٧٠)

الحلقة الثامنة والثلاثون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : ٢٥٨]، قال أهل التفسير: “الظالمين لا يهديهم الله إلى الحق والصواب.” !!

قد يفهم البعض من قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}؛ أي لا يهديهم -إذا لم يتوبوا- إلى التوحيد ونبذ الشرك، وهذا صحيح، غير أنه لا يقتصر على ذلك فقط !!
فقد بين الله تعالى في كتابه أنه لا يهدي الظالمين -إذا لم يتوبوا- في أمور كثيرة في هذه الدنيا، ناهيك عن عدم هدايتهم إلى التوحيد، من ذلك:

أن الله تعالى لا يهدي الظالمين -إذا لم يتوبوا- لا يهديهم إلى فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمته سبحانه وشريعته وأحكامها، كما قال ذلك أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف : ١٤٦]، فتأمل أخي المسلم كيف صرف الله تعالى في هذا العصر؛ من ظنوا أنهم قد بلغوا الدرجة العالية في معرفة قوانين الطبيعة؛ كيف صرفهم سبحانه عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمته سبحانه وشريعته وأحكامها ؟؟!!

 كذلك لا يهدي الله تعالى الظالمين -إذا لم يتوبوا- لا يهديهم إلى نعمة التفكر؛ فيجمُدُون على الموروث، قال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف : ٢٢]، فانظر أخي المسلم كيف جمُدت في هذا العصر عقول عباقرة من أصحاب الشهادات العالية -كما في الهند مثلا- حتى إنهم عبدوا ما كان يعبد آباؤهم .. البقر والعياذ بالله !!

كذلك لا يهدي الله تعالى الظالمين -إذا لم يتوبوا- لا يهديهم إلى نعمة قبول الحق، وأُشرِبوا بدلا عن ذلك حب الجدل والخصومة، قال تعالى: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف : ٥٨]، حتى إن الظالمين في عصرنا طوروا جدال وخصومة قريش؛ إلى مراكز دراسات لحرب الإسلام وشيطنته !!

كذلك لا يهدي الله تعالى الظالمين -إذا لم يتوبوا- لا يهديهم إلى نور شريعته سبحانه؛ فيأخذوا بدلا عن ذلك بالتشريع لأنفسهم ما فيه خسرانهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى : ٢١]، وهذا من أظهر الضلال الذي ضل فيه غير المسلمين في هذا العصر، حتى إنهم شرّعوا قوانين ضد فطرة الإنسان؛ كالقوانين التي تحمي الإباحية والشذوذ الجنسي !!

كذلك لا يهدي الله تعالى الظالمين -إذا لم يتوبوا- لا يهديهم إلى  معرفة سنة الابتلاء؛ وهي من أعظم الهدى الذي ضل عنه الظالمون .. قال تعالى عن سنة الابتلاء: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك : ٢]، فجهلوها، وراحوا يتباهون بما فتح الله تعالى عليهم من نعيم الدنيا؛ وأن ذلك -بزعمهم- رِضى من الله تعالى عنهم، قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ • نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون : ٥٥-٥٦]، وما دروا أن ذلك كله إنما هو استدراج من الله تعالى لهم، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج)[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٤١٣)] !!

وفي هذا العصر عظُم استدراج الله تعالى لغير المسلمين؛ بالفتوحات المادية الضخمة؛ التي فتحها عليهم في كافة المجالات، حتى عميت بصائرهم عمّا سيتبع هذا الاستدراج؛ من كيد متين من الله تعالى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ • وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف : ١٨٢-١٨٣] !!

وأخيرا: أظن أن القارئ الكريم لاحظ تكراري لجملة -إذا لم يتوبوا- ذلك أن باب التوبة مفتوح لكل ظالم؛ مهما بلغ جرمه وظلمه، فحتى من خدّوا الأخاديد لتحريق وقتل المؤمنين؛ بين سبحانه أنهم إنما استحقوا العذاب لعدم توبتهم: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج : ١٠]، ولو تابوا لتاب الله تعالى عليهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!