التأمل المفيد (١٦٨)

الحلقة السادسة والثلاثون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : ١٧٩] !!

وقعت خلال شهر مارس الماضي مذبحة مروعة في متجر في مدينة بولدر في ولاية كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية؛ راح ضحيتها عشرة أشخاص، وكان منفذ المذبحة شخصا واحدا !!
وسبق ذلك بأسبوع وقوع مذبحة في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا؛ راح ضحيتها ثمانية أشخاص، وكان منفذ المذبحة كذلك شخصا واحدا !!
تقع هذه المذابح بشكل متكرر في كل عام، ليعود بعدها -إلى الساحة الإعلامية هناك- الجدل القديم الجديد بين:
الحزب الجمهوري؛ الذي يرفض وضع أي قيود على شراء الأفراد للأسلحة والذخائر أو الرقابة عليها !!
والحزب الديمقراطي؛ الذي يطالب بضرورة وضع قيود من قبل الحكومة على بيع وشراء الأسلحة، وخاصة بيع الأسلحة للمدنيين مثل: (RA15)، وهي  شبيهة بالتي يستعملها الجيش في الحروب؛ كونها أشد فتكا من المسدسات !!
وكلا الحزبين يرى أن لديه الحل الأمثل لهذه المذابح !!
وإنني لأجدها فرصة سانحة -خاصة وأنا ممن درس في أمريكا، في مدينة نيويورك في السبعينات الميلادية، وسمعت بهذه المذابح والجدل حولها عن قُرب- أجدها فرصة لأطرح سؤالا تعقيبا على هذه المذابح والجدل الذي يدور حولها في أمريكا هذه الأيام:
من هم هؤلاء البشر؛ حتى يظنوا أنهم قادرون على وضع حل لمشكلة هذه المذابح ؟؟!!
وفي المقابل -واقتداء بأسلوب من أساليب القرآن الكريم في التعريف بالله تعالى عن طريق السؤال، قال تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون : ٨٦]- نسأل: من هو الله تعالى -جل جلاله- الذي يستحق العبادة والتشريع؛ من ذلك التشريع لمواجهة جريمة القتل بغير حق ؟؟!!

الجواب:
أمّا البشر .. فهم خلق من خلق الله تعالى .. يريدون -بالرغم من ضعفهم وقصورهم واتباعهم لأهوائهم؛ كميل السياسيين لأجندة أحزابهم في موضوع السلاح في أمريكا- يريدون أن يقدموا لبشر مثلهم حلولا لمشكلة من أكبر وأخطر المشاكل في هذه الدنيا؛ قتل النفس البشرية بغير حق !!

أولئك هم البشر .. أمّا الله تعالى المستحق للعبادة والتشريع:

فهو سبحانه من له الأسماء الحسنى والصفات العليا، قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} [طه : ٨] !!، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة)[متفق عليه]!!

هو الله تعالى خالق الإنسان ورازقه ومميته ومحييه بعد الموت، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم : ٤٠] !!

هو الله تعالى الذي لم يترك الخلق سُدى وهملا بعد خلْقِهم، بل أنزل لهم -بعلمه وحكمته- شريعة يهتدون بها، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية : ١٨] .. كذلك حصر سبحانه وتعالى التشريع فيه، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى : ٢١] !!

هو الله تعالى الذي حرّم على الإنسان أن يغتاب الإنسان، فكيف بقتله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات : ١٢] ؟!

هو الله تعالى الذي جمع في شرعه الحكيم لمواجهة جرائم القتل بغير حق بين أمرين :
الردع الدنيوي: تشريع رباني؛ كان قد شُرِع لبني إسرائيل، وهو شرع لنا -كما نص على ذلك أهل العلم- قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ} [المائدة : ٤٥] !!
وبين الردع الأخروي: وعيد رباني، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء : ٩٣] .. وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)[رواه البخاري (٦٨٦٢)] !!

وأخيرا: إنني لا أشك لحظة أن مفكري الحضارة المادية يسمعون عن أحكام القصاص في الإسلام، لذا أقول:

متى ينتبه هؤلاء الغافلون -الذين يريدون وضع حلول من عند أنفسهم لأعظم جريمة من جرائم البشر؛ قتل النفس بغير حق- متى ينتبهوا إلى معنى قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ؟؟!!

بل متى ينتبه هؤلاء الغافلون إلى أن الإله الذي يعبده أهل السماء ويطيعونه؛ هو نفسه سبحانه الإله الذي يجب أن يعبده أهل الأرض ويطيعونه، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف : ٨٤] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!