الحلقة الخامسة والثلاثون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة : ١٦٤] !!
لطالما طرأ على البال سؤال: ما الذي يدفع البعض منا للاستمتاع برؤية المعارض والمتاحف التي يقيمها البشر؛ على مختلف أنواعها، وما تحويه من صناعات أو لوحات وغيرها !! ثم تجد هذا البعض تفوته المتعة الإيمانية بما يعرضه الله تعالى في كتابه الكريم؛ عن عظيم ما خلق سبحانه في هذا الكون الفسيح، وعلى هذه الأرض التي نعيش فيها ؟؟!!
الجواب: الذي يدفع الناس للاستمتاع بالمعارض والمتاحف التي يقيمها البشر؛ هو أنهم يقصدون الذهاب إليها، والنظر والتأمل فيها، بل ودفع الرسوم لدخولها، أو حتى السفر للوصول لها !!
لله المثل الأعلى .. نحن نعيش داخل معرض رباني كبير وعظيم .. معرض سقفه السماء كلها .. وأرضه الأرض كلها .. معرض يعج بألوان الحياة .. نمضي نهارنا فيه، وكذلك ليلنا .. يأمرنا الله تعالى بالنظر إلى مكوناته، من ذلك النظر إلى ثمرات النبات: قال تعالى: {انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : ٩٩]، ويأجرنا سبحانه على نظرنا وتأملنا، ويزداد بذلك إيماننا بالله الخلاق العليم !!
والذي يحتاجه المسلم تجاه هذا المعرض الرباني الكبير؛ هو أن يقف متأملاً متدبرا لآي الكتاب الكريم !! فقد أمرنا الله تعالى بتدبر آياته، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : ٢٩]، وأن يخشى إن هو لم يتدبر كلام ربه؛ أن يتشبه بصفة من صفات قوم قال الله تعالى فيهم: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : ٢٤] !!
هذه الآية الكريمة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}؛ إنما هي مثال واحد من مئات الآيات التي يعرض الله تعالى فيها عظيم ما خلق؛ داخل هذا المعرض الرباني العظيم !!
دعني أيها القارئ الكريم أتدبر معك هذه الآية الكريمة التي اخترتها في هذا المقال، والتي تنقلنا من مشهد لآخر داخل هذا المعرض الرباني الكبير !!
تبدأ الآية الكريمة بذكر السماء من فوقنا والأرض من تحتنا .. ما أعظمها وما أجملها وما أوسعها من سماء، وما أغناها وما أمهدها وما أقرها من أرض !!
ثم اختلاف الليل والنهار .. بغياب الشمس أمام أعيننا كل مساء؛ ليدخل الليل بسكونه، وبزوغها كل صباح؛ ليدخل النهار بمعاشه !!
كما أعادت الآية الكريمة للذاكرة كيف تجوب السفن -بقدرة الله تعالى- البحار الزاخرة !! وها هي السفن اليوم على اختلاف أنواعها؛ في البحر كالأعلام !!
أمّا هطول الأمطار لتحيا بها الأرض من بعد موتها؛ فما أعظمه وما أجله من مشهد، ملايين الأطنان من المياه نازلة، لتصبح الأرض بعدها مخضرة .. ولا يحصي عدد النباتات ولا عدد الدواب في هذه الأرض إلا الله العليم القدير !!
ثم تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض !!
وتختم الآية الكريمة بذكر العقلاء؛ الذين يَرَوْن فيما ذكره الله تعالى من عظيم مخلوقاته؛ آيات: {لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} !! قد ساقهم تدبرهم للآية الكريمة إلى مزيد من التبصر والتفكر في آيات ودلائل وحدانية الله تعالى؛ الواحد الأحد الفرد الصمد !!
آية واحدة من كتاب الله الكريم أعادت التأمل في كل هذه الأمور العظيمة التي خلقها الله تعالى لنا في هذا المعرض الرباني الكبير !! فكيف عساه يكون أثر باقي آيات الكتاب العزيز لو تأملناها ؟؟!!
هناك آيات تفردت بالحديث عن البحار !!
وآيات تفردت بالحديث عن النبات !!
وآيات تفردت بالحديث عن الشمس والقمر والنجوم !!
وآيات تفردت بالحديث عن بهيمة الأنعام !!
وغيرها من المخلوقات التي تحدث القرآن الكريم عنها !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!