التأمل المفيد (١٦٦)

الحلقة الرابعة والثلاثون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة : ١٣٨]، قال أهل التفسير: “الزموا دين الله الذي فطركم عليه، فليس هناك أحسنُ مِن فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالزموها وقولوا نحن خاضعون مطيعون لربنا في اتباعنا ملَّة إبراهيم.” !!

في مثل عصرنا؛ الذي صورت فيه العولمة الغربية البغيضة للبشرية أن الدين شأن خاص بين العبد وربه، وأن الحياة المادية هي ميدان التسابق بين البشر، وأن الآخرة يكفيها اليسير من التفكير الخالي من تصور أحداثها العِظام؛ التي أكثر القرآن الكريم من ذِكرها، ما أدى إلى تأثر غير المسلمين بفلسفة تلك العولمة تأثرا كبيرا؛ فنبذوا أديانهم وراء ظهورهم، وعمّ الألحاد بلدانهم، وزادوا ضلالا بعيدا عمّا كانوا عليه من الضلال والشرك والبعد عن الدين الحق !!

في مثل هذا العصر؛ يتحتم على المسلمين حماية أنفسهم من العولمة وفلسفتها؛ بتعميق معاني القرآن العظيم في نفوس الناس، كقوله تعالى في الآية التي هي موضع التأمل: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} !!

إن اختيار العليم الحكيم لكلمة {صِبْغَةَ} في الآية الكريمة يختصر لنا ماهية هذا الدين، وأنه كالصبغة التي لا تترك في الثوب المصبوغ بقعة إلا غيرتها !!
وهكذا دين الإسلام القويم لا يترك عملا يقوم به الإنسان إلا وصبغة الإسلام -الذي هو دين الفطرة- قد وجهته الوجهة المُثلى !!

إن قول الله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}؛ يعني توجيه حياة الإنسان كلها وفق منهج الله تعالى؛ منذ بلوغه وحتى يُلحد في قبره، وهذا ما يسعده في دنياه وآخرته .. ويحيا بالقرآن قلبه، ويكون له نورا يمشي به في الناس، قال تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} [الأنعام : ١٢٢] !!

وأخيرا: في مقابل التصور المنحرف للعولمة -الذي أشرت إليه في مقدمة المقال- نجد أن المعيار الذي وضعه سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم للنظر إلى الدنيا والآخرة هو قوله: (من كانت الدُّنيا همَّه، فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيْه، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه، جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدُّنيا وهي راغمة)[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٩٥٠)] !!

هذا وإن من أعظم معاني قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه)؛ أن يكون رضا الله تعالى همّه، فينقاد لمنهجه القويم في هذه الدنيا؛ الذي يدله إلى أفضل وأعظم ما يرفعه في كل مجالاتها؛ التعبدية والاقتصادية والاجتماعية .. إلى آخره، فتأتيه الدنيا وهي راغمة، كما قال صلى الله عليه وسلم .. وهذا ما يحصل للأمة المسلمة طوال تاريخها المديد، كلما كان همُّها الآخرة؛ أتتها الدنيا وهي راغمة .. فالدنيا والآخرة ملك لله تعالى، قال تعالى: {من كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : ١٣٤] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!