التأمل المفيد (١٦٣)

الحلقة الحادية والثلاثون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : ١] !!

أمة اقرأ !! ماذا عليها أن تقرأ أولا ؟!!

أوصلت لي رسائل الواتس مقطعا يتحدث فيه شيخ فاضل في خطبة جمعة عن أهمية القراءة، لكنه عفا الله عنا وعنه -لفرط حماسه وغيرته على واقع أمتنا الضعيف- أخذ يستشهد بآية عظيمة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : ١] -هي أول ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم- على أهمية القراءة بشكل عام، دون أن يورد الخصوصية التي من أجلها أنزل الله تعالى آية سورة العلق الكريمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ثم تتابع من بعدها نزول القرآن الكريم !!

كان أسلوبه الذي استخدمه في إقناع المستمع أن أمتنا أمة لا تقرأ؛ جميلا وإبداعيا !! كان يمدح كثرة قراءة غير المسلمين -من يابانيين وأمريكان وغيرهم- وكيف أنهم صنعوا عقولا منتجة .. بل زاد في حماسه لإقناع المشاهد بأهمية القراءة فقال: هذه الساعة -ويشير إلى ساعته- صُنِعت في سويسرا !! والميكروفون الذي كان يتكلم فيه من أمريكا !! والصوف الذي يلبسه من بريطانيا !!

لكنه -شكر الله تعالى له- جانب الصواب ثلاث مرات .. فوفقني الله تعالى لبيان الحق، حتى نتعاون معه في طرح هذا الموضوع المهم الذي اخترت له عنوان المقال: “*أمة اقرأ !! ماذا عليها أن تقرأ أولا ؟!!

جانب الصواب أولا: في الاستشهاد بآية عظيمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، حين لم يعرض ويبين لنا أعظم مقصد لنزول هذه الآية الكريمة، ومن ثم نزول القرآن تِباعا خلال ثلاثة وعشرين عاما؛ إنه التعريف بالله تعالى؛ واستحقاقه سبحانه وتعالى وحده للعبادة؛ ومن ثم الانقياد لمنهجه سبحانه !!
كان من المفترض أن يُبين أولا هذا المقصد الأعظم لنزول القرآن الكريم ، ثم يُبين بعد ذلك أهمية القراءة عموما في كل ما ينفع المسلمين !!

لقد كان العرب قبل البعثة المحمدية -على رسولها أفضل الصلاة والسلام- في ضلال مبين !! ثم انكشفت تلك الضلالة وزالت الغمة حينما قرأ العرب كتاب الله تعالى؛ الذي بدأ بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} .. كما بين لهم سبحانه ما كانوا فيه من ضلال مبين: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة : ٢] !!
فزكاهم سبحانه وعلمهم -بالقرآن الكريم- كيف ينبغي أن يكون الإنسان عارفا بربه تعالى؛ عابدا له وشاكرا نعمه التي لا تعد ولا تحصى !!

وجانب الصواب مرة ثانية: حين أوهم المستمع أن مشكلتنا الكبرى هي عدم القدرة على الصناعة في هذا العصر !! وليست ضعف التمسك بالدِّين من قبل الكثير من أتباع الدين؛ الذي ما تمسكت به أمتنا إلا سادت وقادت الأمم في هذه الدنيا، وأرست قواعد العدل -وليس قانون الغاب السائد في عالم اليوم- وفازت في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض !! 
وتاريخ أمتنا الإسلامية وما مرت به من مراحل قوة وضعف يشهد بذلك !! بل شهد لها حتى المنصفون -من غير المسلمين- بأنها أمة كانت الرائدة في كل أنواع العلوم المادية المختلفة؛ من طب ورياضيات وغيرها من العلوم، فضلا عن نشر القيم الرفيعة والأخلاق الحميدة !!

لم يخرج الله تعالى العرب من ضلالهم وغمتهم التي كانوا عليها قبل البعثة؛ بتعليمهم الصناعة أولا !! حتى يحاكوا ما كان عليه الروم والفرس من قوة وعتاد !!

ولذلك ما أخذوا وقتا طويلا -حين صدقوا مع الله وأيقنوا أنه ناصرهم إن نصروا دينه- حتى صاروا أقوى عتادا من جميع الأمم !! وهذا ما يخيف أعداء الإسلام في هذا العصر .. أن يعود أهل الإسلام إلى التمسك بدينهم بصدق، فيصدقهم الله تعالى وعده، وينصرهم !!

وجانب الصواب ثالثا: في مدح الكفار بأمر هو عين ما ذمهم الله تعالى عليه، وسيدخلهم بسببه عذاب الجحيم .. الاهتمام بالدنيا مقابل الإعراض عن عبادة الله والانقياد لمنهجه، ولذا قال عنهم سبحانه: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم : ٧]، وقال عن إعمارهم للأرض مقابل تكذيبهم للرسل عليهم الصلاة والسلام: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم : ٩] !!

أخيرا: لو أن الكفار جمعوا بين استسلامهم لله تعالى واهتمامهم بما يصلح أمر دنياهم وفق منهج الله تعالى؛ لما ذمهم الله تعالى وغضب عليهم !!
بل قد نسي خطيبنا الفاضل أن التمكين في الأرض للمؤمنين؛ اشترط له ربنا سبحانه شرطا واضحا لا لَبْس فيه ..  عبادته وحده -بمفهوم العبادة الشامل- وعدم الإشراك به شيئا، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور : ٥٥] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!