الحلقة الثامنة والعشرون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات : ٢١] !!
حتى نزداد إيمانا بعظيم خلق الله سبحانه .. دعونا نتعبد الله بعبادة التفكر !!
فلنفترض أن شركة ما أرادت تصميم مصنع غاية في التعقيد ذي منافع متعددة، يبني نفسه بنفسه، ولا يحتاج أحدا لبنائه، ليكون صرخة في عالم المصانع لم تسمع به البشرية من قبل .. وكان قسم معهم من أقسام هذا المصنع يمدد بنفسه أنابيب مختلفة المقاسات داخل هذا المصنع، يبلغ طولها إذا أُوصلت ببعض كطول حبل يلف محيط الكرة الأرضية مرتين .. ومقاس أصغرها عُشر قطر شعرة من شعر الإنسان !!
أظن أن القارىء الكريم سينتقل بخياله ليتصور مصنعا ضخما جدا جدا لطول هذه الأنابيب !!
فكيف إذا كان حيّز المصنع الذي يُراد لهذه الأنابيب عظيمة الطول أن تمتد فيه، لا يعدو مبنى صغيرا طوله وعرضه ثلاثة سنتمترات في سنتمتر واحد، في بداية تشييده ؟!
فكيف إذا كان من المقرر إنشاء أكثر من مائة وخمسين مليون مصنعا من هذه المصانع الصغيرة التي لا تتجاوز أصبع اليد، في كل عام ؟!
وأن يكون هذا المصنع مصمما بحيث يُصلِح أي عطب في أنابيبه بنفسه، أو استبدالها تلقائيا بغيرها إذا كانت غير صالحة للاستخدام !!
فكيف إذا أردنا لهذه الأنابيب في هذا المصنع أن يجري فيها الماء في اتجاهين متعاكسين، يمر كل اتجاه بنفس المضخة بدون التقاء ؟! .. كما يراد لهذه الأنابيب ذات الاتجاهين المتعاكسين، أن تمر بمستودع واحد، يُحمِّل اتجاه منه مادة نافعة تحتاجها مئات المليارات من المواقع الموجودة في المصنع الذي لا يتجاوز أصبع اليد، في كل ثانية .. ويمر الاتجاه الآخر بنفس المستودع ليطرح مادة ضارة في الثانية التي تليها !!
ثم يراد لهذا المصنع عند الأسبوع التاسع من البدء في بناء نفسه، بعد اكتمال بناء أكثر من عشرة أقسام أخرى لا تقل تعقيدا عن قسم الأنابيب، يراد له أن يكْبُر بنفسه وتتمدد معه أقسامه وأنابيبه تلقائيا، حتى يبلغ في الطول مداه، نحو متر أو أقل أو أكثر، وعرضه نحو نصف متر أو أقل أو أكثر !!
كل ما ذكرته آنفا هو حديث عنك أيها الإنسان .. وعن أحد أجهزتك داخل جسمك التي أنعم الله بها عليك .. وحديثي لا يعدو تشبيها قاصرا لنظام الدورة الدموية الذي ضم (القلب والرئتين والأوعية الدموية) .. فالمضخة في التشبيه هي قلب الإنسان والمستودع رئتاه .. والأنابيب أوعيته الدموية، والمادة النافعة هي الأكسجين والضارة ثاني أكسيد الكربون !!
واعلم أيها الإنسان !! أنك وأنت جنين في بطن أمك في أسبوعك التاسع، يوم كان طولك وعرضك ثلاثة سنتمترات في سنتمتر واحد، قد خلق الله فيك كل أجهزة جسمك، شديدة التعقيد، وأكملها، وليس القلب وأوعيته فقط !!
قال تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .. فهناك الجهاز العصبي وإعجازه، والجهاز الهضمي وإعجازه، والهيكل العظمي وإعجازه، والتناسلي وإعجازه، والبولي وإعجازه، والتنفسي وإعجازه، والبصري وإعجازه، وجهاز الغدد الصماء وإعجازه، وجهازالمناعة وإعجازه، والعضلات والحواس الخمس، وغيرها من (صنع الله الذي أَتْقَن كل شيء) سبحانه !!
وكانت بداية خلق جميع هذه الأجهزة بجسمك من نطفة أصغر من رأس إبرة، جعلها الله تنقسم وتنقسم وتنقسم إلى مئات المليارات من الخلايا لتكونك بكامل أجهزتك في غضون تسعة أسابيع .. خلايا تتجه بقدرة الله تعالى إلى مكان خلق العين -في الرأس- ولا تذهب لتشكل عينا في البطن مثلا .. وهكذا يوجه الخالق الخلاق العظيم مليارات الخلايا بتخصصاتها المختلفة إلى الجهات المناسبة لكل تخصص .. سبحانك ربي ما أعظمك؟!
فلتفرح البشرية بربها الذي أرسل رسله عليهم الصلاة والسلام وأنزل كتبه، وآخرها القرآن الكريم لتنظيم حياة البشر -أكرم الخلق على الله تعالى- في الجوانب العقائدية والعبادية والتعاملية، كما أتقن سبحانه خلْقَهُم وجعله في أحسن تقويم -أي في أحسن صورة- قال تعالى في بيان استحقاقه سبحانه للعبادة من الناس لأنه خالقهم : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : ٢١] !!
وأخيرا: فإن مثل هذا التفكر في عظيم خلق الله تعالى قد دعا إليه علماء الإسلام -سلفًا وخلفًا- ، وحثوا عليه !!
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: الفكرة في نِعم الله من أفضل العبادة !!
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن من أفضل العمل= الورع والتفكر !!
وقال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة !!
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: القرآن مليء بالآيات التي تحث على التفكر والتدبر في خلق الله !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!