الحلقة السابعة والعشرون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف : 11] !!
يصد غير المسلمين عن الاستسلام للرحمن الرحيم -خالقهم ورازقهم- شبهات كثيرة، منها شبهة قولية فكرية اسمها “الاستعلاء بغير حق” !!
والاستعلاء شبهة قديمة قِدم استكبار واستعلاء إبليس لعنه الله، قال الله تعالى وهو يصف مشهد استعلاء إبليس الأول: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف : ١٢]، وورّث إبليس هذا الاستعلاء لأتباعه من غير المسلمين !!
الاستعلاء حالة نفسية فكرية شوهاء؛ غابت عنها معايير المفاضلة الحقيقية للموازين الصحيحة الرشيدة !!
فالتعالي وسم يسعى بعض غير المسلمين إلى بثه في نفوس المؤمنين لصدهم عن اتباع نهج الله القويم !!
وقد نقل القرآن الكريم أقوال أصحاب هذه الشبهة:
قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}[مريم : ٧٣]، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف : ١١]، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت : ١٢] !!
يعرض القرآن الكريم اعتراضاتهم التي صدتهم عن دين الله ، ثم يرد عليها لعلهم يرجعون !!
وقد يظن بعض الناس أن خطر الاستعلاء بغير حق وما ينتج عنه مما يسمى في عصرنا – بعقدة الأجنبي – ينحصر أثره السلبي على ضِعاف الإيمان من المسلمين فقط ، وهذا غير صحيح ؛ نعم قد تؤثر هذه العقدة على ضِعاف الإيمان إذا استمرؤوا هذا التعالي ، وانطلت عليهم حيله؛ فينظرون بدونية إلى حالهم منبهرين بما عند غير المسلمين من تقدم مادي، وقد تهتز قيمهم العظيمة داخل نفوسهم، ولا يشعرون بالعزة التي أرادها الله لهم، قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران : ١٣٩]، قالها سبحانه للمؤمنين وهم في حالة الهزيمة المادية يوم أحد، حتى يتمسكوا بإيمانهم ويعتزوا به في أحلك الظروف !!
لكن سرعان ما يعود حتى ضِعاف الإيمان من المسلمين إلى اعتزازهم وعلوّهم بإيمانهم إذا ذُكِّرُوا بأن هذا الدين إنما جاء لإصلاح الدنيا والآخرة وليس لإصلاح الآخرة فقط ، وأننا قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ، وأننا قادرون على النهوض من كبوتنا، -كما فعل أسلافنا- إذا صدقنا مع الله تعالى، ولذلك قال تعالى في بيان سُرعة عودة المسلم إلى الصراط المستقيم إذا نزغه نزغ من شياطين الجن أو الإنس : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف : ٢٠١] !!
لكن خطر هذا الاستعلاء وشؤمه الأكبر يقع على أصحابه، وهو ما أودُّ التأكيد عليه في هذا المقال، لبيان رحمة الله بهم ؛ بدحض حججهم واعتراضاتهم .
فالاستعلاء يقع سلبا على المتعالي نفسه، فيكون سببا رئيسا منافيا للعقل الواهم يصدُّه عن الاستسلام لله تعالى، واعجبا !!
ما هذا المنطق الأعوج الذي يرفض فيه بعض الكفار الإيمان بالله بسبب تقدمه في الهندسة وعمارة الأرض؟!
يُدعون إلى الإيمان فيشيرون إلى حُسن بيوتهم ومجالسهم، وهذا ما حكاه القرآن الكريم عنهم، قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم : ٧٣]، قال أهل التفسير: “يقول الكفار للمؤمنين: أيُّ الفريقين منَّا ومنكم أفضل منزلا وأحسن مجلسًا؟ ” !!
ألا ما أغربه من اعتذار عن الإيمان بالله رب العالمين !!
فما دخل الإيمان بالله في شكل ومتانة البيوت والمجالس ؟!!
وهذا ما يمارسه بعض غير المسلمين من تعالٍ على المؤمنين على مر العصور وهو “التعالي بأنهم أفضل في عمارة الأرض، فلا حاجة لنا بالإسلام” !!
والرد الحاسم على هذا النهج الأعوج في رفض الإيمان بخالق الأكوان يأتي من الله تعالى في الآية التي تلتها في سورة مريم: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم : ٧٤] !!
فكم أهلك الله تعالى قبلهم من الأمم الماضية الذين كانوا أكثر مالاً ومتاعاً من قريش، وأفضل رئيا أي منظراً ،أهلكهم لكفرهم ، وفي هذا تحذير لهم، وشفقة بهم ورحمة لعلهم يرجعون !!
أخيرا: نحن نؤمن بأن الله تعالى الحق العدل لن يبخسهم في الدنيا جزاء ما قاموا به من تقدم في مجالات الحياة المادية، يجدون أثر ذلك- إذا شاء الله- سهولة في حياتهم المعيشية، مع ما يكتنف هذه المعيشة من ضنك، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه : ١٢٤]، وقال تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج : ٣١]، لكن المصيبة الكبرى أن نهاية هذا الكفر بالله وعدم شكره بعبادته والخضوع لأمره- مهما ارتفعوا في عمارة الأرض – نهايته جهنم وبئس القرار، قال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء : ١٨]، وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ • أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود : ١٥-١٦] !!
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة !!
إذن من رحمة الله بغير المسلمين تفنيد حججهم ، ودحضها حتى يزول عنهم ما يمنعهم من الدخول في الإسلام
فما أعظم رحمة الله !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!