التأمل المفيد (١٥٧)

الحلقة الخامسة والعشرون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت : ٣٣] !!

أعظم وظيفة يزاولها المسلم في هذه الدنيا !!

أشغل أمر الوظيفة المرموقة التي يحلم بها كل إنسان، فكر وبال  الكثيرين .. ولا غرابة في ذلك .. فمن يرضى بالفراغ القاتل الذي يعيشه العاطلون .. ومن يرضى بالفقر الذي تعوذ منه الأنبياء عليهم السلام والصالحون  !!

غير أن التفكير دائما ما ينصرف، عند الحديث عن الوظائف، إلى عمل محدد المكان والزمان .. وهذا صحيح ومناسب لكل وظائف الدنيا .. فيما عدا وظيفة واحدة .. إليك أيها المسلم الكريم مواصفاتها، قبل أن أسميها:

عالمية المكان .. فلا تحصرها  الجغرافيا بحدودها المرسومة .. متوفرة وحاضرة لكل مسلم .. يباشر العمل فيها أينما كان على وجه هذه البسيطة !!

سرمدية الزمان .. قديمة قِدم وجود الإنسان .. وباقية ما بقي الليل والنهار .. لا تملأ أوقات المسلم اليومية فقط .. بل وسني عمره .. فمن أشغله رقي مجتمعات البشرية نحو السعادة والتواصل والتراحم لا يعرف الفراغ .. بل لا يكاد يجده !!

تبلغ بالمسلم الذروة في تحقيق الأمن الفكري في هذه الدنيا .. فلا شتات ولا هموم ولا ضياع .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ) .. بل يمتد أمنها الفكري ليكون استراتيجيا بعيد المدى .. حيث تنتهي به إلى الأمن يوم الفزع الأكبر،  يوم يقوم الحساب، قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر : ٤٦] !!

تبوأها قادة البشرية وصفوتهم عليهم الصلاة والسلام .. وبمقدور المسلم الارتقاء فيها .. فليس لها نمط رتيب .. بل وسائلها كثيرة، متنوعة ومتجددة .. في حدود ثوابت الدين وقيمه .. ومن زاولها أوتي شيئا مما أوتي الرسل عليهم السلام من الإحسان إلى الناس والتأثير فيهم !!

وأعجب ما في هذه الوظيفة، ممارسة أهل الباطل لها .. لكن في الوجهة المعاكسة .. فإن اعتزازهم بعقائدهم البالية تدفعهم ليقفوا منافحين عنها، قال تعالى حكاية عن كفار قريش: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص : ٦]، فأصبح لِزاماً ومن باب أولى، أن يمارسها أهل الحق المؤمنين بالله تعالى العلي العظيم .. المعتزين به وبرسله عليهم السلام وبالمؤمنين، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون : ٨] .. لينافحوا عن دينه ويعزروه وينصروه !!

وأخيرا: تنفرد هذه الوظيفة بوجوب قبولها ومباشرة العمل فيها، تواصيا بالحق، كما دلت على ذلك سورة العصر .. شريطة الاستطاعة، إذ ليس على أصحاب الأعذار الشرعية حرج في عدم مزاولتها .. ومما يؤكد وجوبها قوله صلى الله عليه وسلم: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) .. فوجب على المسلم أن يبدأ بهذه الوظيفة مع أسرته ليقودهم إلى جنات النعيم .. ثم ينطلق  إلى غيرهم، مستعينا في كل ذلك بالله تعالى ومتوكلا عليه !!

ويكفي بهذه الوظيفة فخرا أن اختارها خالق البشر سبحانه .. أصدق وأعلم وأحكم الحاكمين  .. لتكون أحسن وأفضل وظيفة للمسلم في هذه الدنيا .. فقال جل من قائل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} !!

إنها وظيفة دلالة الناس إلى خالقهم سبحانه وتعالى .. “الدعوة” .. قال تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف : ١٠٨]، ونقف وقفة تأمل وتدبر عند قوله تعالى: {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} .. فمن اقتدى به صلى الله عليه وسلم دعا إلى هديه وسنته !!

وبعد معرفة الوظيفة الأولى للمسلم التي أوجبها الله عليه .. وبعد أن تبوأت مكان الصدارة في نفسه وقلبه .. لابد له من وظيفة أخرى ترافقها .. يتقوى بها على قطع الطريق إلى الله تعالى .. تسد حاجته وحاجة من يعول .. من مسكّن ومطعم ومشرب وملبس ومركب !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!