التأمل المفيد (١٥٠)

الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء : ٩٢] !!

هكذا طلب الجهال بالله العلي الكبير، من الرسول صلى الله عليه وسلم !!
وهكذا يفعل الجهل بالله العظيم بأصحابه؛ ينطقون بالمضحك والمخزي والهزيل من القول؛ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} تأتي لنا بالله وملائكته، فنشاهدهم مقابلة وعِيانًا !! كلام لا يقوله حتى الأطفال، ولذا ليس غريبا أن يقولوا يوم القيامة -معترفين بخطئهم وهم يتنازعون في جهنم مع مَن أضلوهم-: {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ  • إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء : ٩٧-٩٨]، ثم لم يجدوا تبريرا لما كانوا فيه من جهل بالله العظيم في الدنيا -حينما كانوا يسوون بينه سبحانه وبين أصنام وأحجار كانوا يعبدونها من دون الله تعالى- إلا برمي وتعليق ما أصابهم من خزي وعار وعذاب يوم القيامة على شماعة المجرمين، قال تعالى -حاكيا قولهم-: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء : ٩٩] .. وكأنهم لم يكن لهم عقول يفقهون بها !! وصدق الله تعالى القائل في مثل هؤلاء الجهال: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ • مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ • مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ • ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ • ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ • ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ} [عبس : ١٧- ٢٢] !!

ثم انظر كيف انقلب كثير من الجهّال بالله العلي العظيم من كفار قريش، حينما عرفوه سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، انقلبوا إلى قادة إسلاميين عِظام، لم يعرف التاريخ لهم مثيلا !!

وهذا ما يحصل دائما لكل من كان جاهلا بالله العلي العظيم !! ما إن يتعرف على الله تعالى المعرفة الحقة، إلا وينقلب ليصبح من أكبر المؤمنين !! والسحرة في عهد فرعون مثال على هذا التغيير الذي يحدثه التعرف على الله سبحانه، قال تعالى: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه : ٧٢] !! مع أنهم كانوا يرجون -قبل لحظات من مقولتهم الإيمانية هذه- القرب والجاه من فرعون !!

وحتى لا تنعكس نتائج الجهل بالله تعالى الوخيمة على العالم كله اليوم -حيث إن العلم بالله تعالى هو أعظم ما يحقق الإيمان لدى غير المؤمن، وأعظم ما يبني الإيمان لدى المؤمن! لذلك لا غنى لأحد عن التذكير بهذا العلم طرفة عين !!- فقد اهتم سلفنا الصالح بالتأكيد على أهمية وضرورة هذا العلم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: اقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين، وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها، وإن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية تابعة لمعرفة المرجو المخوف المحبوب المطاع المعبود .. [الصواعق المرسلة 1/150] . وقال: فالقرآن أنزل لتعريف عباده به ..  [الفوائد 180] !!

وإننا لنجد اليوم -بسبب ضعف العلم بالله تعالى بين المسلمين- أحوالا وأقوالا، لو سمع بها سلفنا الصالح لأنكروها أشد الإنكار، من ذلك:

الضعف في معرفة أن الله تعالى هو الرزاق، أدى إلى ما نراه من خوف وهلع وخشية من الفقر والجوع عند البعض، خاصة إذا ضُيق عليهم في الرزق بسبب الذنوب والبعد عن الله تعالى !!

والضعف في معرفة أن الله هو القوي المتين، أدى إلى الخوف من أعداء الله تعالى من غير المسلمين، عند البعض، وكأن هؤلاء الأعداء بيدهم مقاليد السماوات والأرض !!

أمّا الضعف في معرفة أن الله تعالى سميع وبصير وعليم حتى بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فقد أدى إلى كل ما نراه من معاص وبعد عن الله تعالى في المجتمعات المسلمة !!

أخيرا: إن من أجمل ما وصلني من رسائل (رب البيت) هذه الرسالة: “إن أمتنا اليوم بحاجة ماسة -أكثر من أي وقت مضى- إلى تبني مشاريع رائدة، تعنى بقضية العلم بالله تعالى، وإلى بث هذا العلم في مساجدنا، وتعزيزه في مناهجنا، وتربية أبنائنا ومن تحت أيدينا عليه في بيوتنا ومحاضننا..حمايةً لمجتمعاتنا المسلمة من داء الإلحاد، الذي بدأ يتسلل إليها” !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!