التأمل المفيد (١٤٦)

الحلقة الرابعة عشرة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة : ١١٣] !!

لم يأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفرلأمه .. فماذا حصل ؟

فجوابا للسؤال :
ماذا حصل بعد أن منع  الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأمه ؟ هل تُراه-حاشاه- ترك الدعوة وبات حزينا  ؟!

لا .. لا ..
بل كان قلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئًا رحمة للأحياء من المشركين .. لينقذهم من شركهم .. وقد أدبه رَبُّه العظيم في وحيه بأن الذي سيفصل بين الناس كلهم يوم القيامة – بما فيهم أمه صلى الله عليه وسلم – هو خالقهم سبحانه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج : ١٧]، وقال تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ} [الإنفطار : ١٩] !!

 فلا تشغل فكرك أيها الداعية بأن هؤلاء في النار وأولئك في النار .. فلقد عرفنا من كتاب ربنا مواصفات أصحاب الجحيم .. فيكفي هذا القدر من العلم، واشتغل واصرف وقتك فيما يخرج أصحاب الجحيم من غضب الله وناره إلى جنته ورضوانه تعالى .. فهذا هو العمل الصحيح الذي ينبغي التركيز عليه !!

هذا المقال هدفه الأوحد أن نستشعر الخطر الذي يواجهه المشرك من مصير في الدنيا والآخرة .. حتى تمتلئ قلوبنا رحمة للعالمين .. كما قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : ١٠٧]، فصار همه الأكبر صلى الله عليه وسلم الدعوة وهداية الأحياء من العالمين، فأخرج الله على يديه صلى الله عليه وسلم – وهو أعلم الناس بخطر الشرك على صاحبه – الملايين على مر العصور من ظلمات الشرك إلى نور الإسلام .. ومن دركات جهنم إلى درجات الجنان !!

فهل نستشعر من كتاب ربنا الرحمن الرحيم ما سيقابل المشرك من مصير مفزع وأليم، ليس في الآخرة فقط، بل حتى في هذه الدنيا ؟؟
 لينعكس هذا الشعور رحمة بهم ودعوة تنجيهم من هذا المصير البئيس .. كما كان قدوتنا وأسوتنا محمد صلى الله عليه وسلم !!
و حتى لا يصل بِنَا الحال إلى أن نتكاسل عن نسخ ولصق نسخة من القرآن المترجم، المتوفر على الشبكة العنكبوتية بدون مقابل، نهديها لمن أراد الله أن نتعرف إليه من غير المسلمين، في أي مكان كنّا !!
بل حتى لا يصل بِنَا الحال إلى أن نتكاسل حتى عن نصح أخينا المسلم، الذي غفل عن صلاته وانقطع عنها !!

الرحمة الحقيقية ليست في إطعام جائع أو كسوة عار، مع أهمية ذلك .. الرحمة الحقيقية هي في السعي لإخراج الناس من الظلمات إلى النور !!

بقي أن نعرف مصير المشرك في الدنيا والآخرة .. عَل قلوبنا تتحرك لرحمته وإنقاذه !!
أمّا مصيره في الدنيا يقول ربنا تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج : ٣١]، قال أهل التفسير: “من يشرك بالله شيئًا، فمثله- في بُعْده عن الهدى، وفي هلاكه وسقوطه من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر، وتخطُّف الشياطين له من كل جانب- كمثل مَن سقط من السماء: فإمّا أن تخطفه الطير فتقطع أعضاءه، وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح فتقذفه في مكان بعيد” !!
ولنعي خطورة هذا المصير: لو قيل لنا إن شخصا ما هوى من فوق ناطحة سحاب !! فهل يا ترى سيبقى منه شيء ؟؟
.. لا .. بل سيُصبِح هباء منثورا .. فكيف وتصوير القرآن لحالة ونفسية المشرك البئيس كأنه خَر من السماء .. والسماء أعلى من ناطحة سحاب بمليارات المرات .. ياله من تصوير مخيف، يتطلب الرحمة والشفقة من المؤمنين لإنقاذ المشركين .. قال تعالى عن مصير المشركين في الدنيا : {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ} [الزمر : ٢٦] !!
 
أمّا عذاب الآخرة فهو أدهى وأمر .. قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الزمر : ٢٦] !!

ألا ما أعظم رحمة الرسل عليهم السلام بالخلق .. كانوا يواجهون المشركين بتخويفهم من سوء المصير .. وهذه هي الرحمة بعينها .. أن تواجه من ترحمه بما هو عليه من حال غير صحيح .. قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام : {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام : ٨١] !!

وأخيرا: لنعلم أن دعوتنا غير المسلمين إلى توحيد الله الذي جاء به كل الرسل عليهم السلام، هو واجبنا في هذه الدنيا، وهو فخرنا وعزنا في الآخرة، قال الله تعالى : {لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة : ١٤٣]، جاء في تفسيرها بما ثبت بالأحاديث الصحيحة .. أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستشهد يوم القيامة للرسل عليهم السلام أنهم بلغوا رسالة ربهم لأقوامهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!