التأمل المفيد (١٤٣)

الحلقة الحادية عشرة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

 قال الله تعالى: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف : ٢٧] !!

فإن من أوائل الذنوب التي حذّر الله تعالى منها البشرية -بعد الشرك به تعالى- هو إغواء الشيطان لهم بالتبرج والسفور ! فقد نادى الله تعالى الناس في آيتين: بيا بني آدم, مصرحتان بضرورة الستر باللباس الشرعي, للرجال والنساء سواء, وخطورة التبرج والسفور, قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ • يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : ٢٦-٢٧] !!

ولا عجب في هذا التحذير من خطر التبرج والسفور، من لدن العليم الحكيم، فقد عانت منه البشرية خلال تاريخها الطويل، ثم بلغت ذروة معاناتها منه في هذا العصر, حيث انتشرت الفاحشة، وانتشر الشذوذ بما لم يتصوره أحد من قبل .. وتفشت في البشرية الأمراض التي لم تكن معروفة .. بل لقد بلغ إبليس الذروة في إغواء البشرية في هذا الباب من الشر في عصرنا, حتى زين للكافرين أن يحموا الشذود الجنسي -زواج الشاذين والشاذات، التي هي الانتكاسة الصارخة عن الفطرة- بقوة القانون .. فأجازوه بتشريع يحميه النظام, وتجاهلوا عقاب الله تعالى لأمثالهم الشاذين من قوم لوط عليه السلام، بأشد العذاب, قال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ • وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ • قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ • قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ • رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ • فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ • إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ • ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ • وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء : ١٦٥-١٧٣] !!

وقبل تشريع زواج المثليين بأمد بعيد, كانوا قد شرّعوا لأنفسهم استحلال فاحشة الزنا, شريطة رضى الطرفين, والعياذ بالله .. ثم ابتدعوا معه قوانين منع التحرش -الذي لا يوقف الفاحشة، في جو مشبع بسعار الجنس ولهيب الشهوة، إلا كما توقف تعليمات السلامة اشتعال الحريق في مكان مشبع بغاز سريع الاشتعال- وكان نتيجة ذلك فشل هيئات الصحة العالمية وما يتصل بها من مراكز للدراسات الطبية، في محاولاتها القضاء على خطر الأمراض الجنسية الفتاكة والمتزايدة، بالرغم من التقدم الهائل في مجالات العلوم الطبية المختلفة, وذلك للخلل الاستراتيجي الكامن في عدم النظر للأسباب الحقيقية التي كانت خلف انتشار هذه الأمراض، مع كونهم أعلم الناس بالتخطيط الاستراتيجي الفعّال, ولذا فقد ضمّن الله تعالى قرآنه الكريم، ما يحتاجه العالم اليوم كهدف استراتيجي لنجاح هيئاته الصحية، وهو ألا يقترب الإنسان من كل ما يدعو إلى الفاحشة، من تبرج وسفور وصور وأفلام خادشة للحياء : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء : ٣٢]، كما بين صلى الله عليه وسلم العقاب الرباني الذي ينزل على المتبجحين بإعلان الفاحشة -والذي أصبح تجارة إعلامية تروج لها الكثير من القنوات الفضائية غير المحافظة والمجلات الفاضحة، بل ونشروها في الفضاء، لتكبر بذلك جريمة إعلان الفاحشة، بتنزيل مرضى القلوب لها في جهاز اسمه الجوال- فبين صلى الله عليه وسلم العقاب: (وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها، إلا ابتلوا بالأمراض والطواعين التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)  صححه الألباني [صحيح الجامع ٧٩٧٨] !!
ولن تقل وتنحسر هذه الأمراض، ولن ينفكوا من هذا الفساد، وما ترتب عليه من عقاب رباني، إلا بعبادة ربهم واتباع ما أتاهم من بينة !!

من أفواههم نعرف حجم العقاب الذي أنزله الله تعالى عليهم لننصحهم:
في محاولة من طبيب أمريكي غير مسلم ينصح ويحذر شبابا وشابات من بني جلدته، من ممارسة الجنس غير الآمن – وهو هنا لا يتكلم عن حرمة الفاحشة، ولكنه يتكلم عن نصائح طبية تحميهم من الأمراض عند ممارستهم للفاحشة – فقال: لقد كان لدينا في الستينيات الميلادية مرضان اثنان من الأمراض الجنسية فقط، والآن لدينا في عام ٢٠١٥ خمسة وعشرون (٢٥) مرضا جنسيا، تسعة عشر منها ليس له علاج !! فسبحان من شرّع للإنسان ما يوافق ضعفه أمام هذه الشهوات ! قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا • يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء : ٢٧-٢٨] !!

وأخيرا : أرجو أن يلاحظ معي القارئ الكريم أن تقدم الغرب في علومهم الطبية، لم يكن سببه الأكبر  حبهم للعلم، لكنه بسبب ذلك العقاب الرباني بالأمراض الخطيرة، التي تزداد ولا تقل .. فاختاروا مقاومتها بالعلاج الآني المؤقت، بدلا من اجتثاته من جذوره بالاستسلام لرب العالمين .. كما يذكرنا هذا النهج في التقدم العلمي لديهم بغيره من العلوم .. فعلوم مكافحة الجريمة -وما يتصل به من دراسات في موضوع الأدلة الجنائية- ما تقدموا فيه إلا لكثرة عدد الجرائم، نتيجة تنكبهم لمنهج العليم الحكيم، الذي جعل لنا في القصاص حياة، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : ١٧٩] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!