الحلقة التاسعة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : ١٦٢] !!
انتكاسة غير المسلمين بفصلهم الحياة عن الدين !!
فلأن ديننا الإسلامي العظيم لا يفرق بين حركة الإنسان وتعاملاته داخل المصنع، أو تجمعه مع إخوانه في أداء شعيرة الحج، لا يفرق بينهما في ضرورة أن تكون أخلاقيات وتعامل الناس في أي مكان كانوا لابد أن تنضبط بشرع الله تعالى ومنهجه، فإنني سأعرض مثالا من حياة غير المسلمين في كيفية استثمارهم للإنسان في المصنع، ودفعهم له ليبذل قصارى جهده لرفع الإنتاج المادي !!
تجارب الغرب في إدارة الإنسان في شركاتهم ومصانعهم نجحت أيما نجاح في الاستفادة من طاقات البشر الاستفادة القصوى، حين عرف الموظف حقوقه وواجباته ، فارتفعت معدلات الإنتاج، وانصبت المليارات في جيوب أصحاب المال، وأخذت الكتب تخرج متحدثة عن نجاح هذه الشركات ، كالشركة العملاقة قوقل وشركات الحاسب وشركات صناعة السفن أو الطائرات أو السيارات وغيرها !!
هذه التجربة الإدارية الناجحة في تشغيل الإنسان خلال ساعات دوامه الوظيفي، وجعله منتجِا، كان الأولى أن تنعكس على أصحابها بالقناعة التامة بضرورة تبنيهم نظاما لحياة الإنسان كلها، حتى ينجح في الميدان الأكبر، ميدان الحياة، بعد أن لمسوا نجاحه في حيّز زماني ومكاني صغير، فيُحسِن التعامل مع خالقه ومع نفسه ومع غيره ومع المجتمع كله خلال حياته كلها !!
لكن بدلا من ذلك ، وبعكس قناعاتهم من ضرورة ضبط الإنسان بنظام، انتكسوا على أعقابهم، تماما كما فعل قوم إبراهيم عليه السلام في ردهم الحق الذي بينه لهم، قال تعالى: {قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ • قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ • فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ • ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ • قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ • أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ • قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء : ٦٢-٦٨] !!
نُكِس غير المسلمين على رؤوسهم رغم معرفتهم للحق، فتركوا الإنسان خارج المصنع بعد انتهاء دوامه، ليفعل ما يحلو له ، معلنين أن الإنسان المكرّم من الله تعالى والمفضّل على كثير ممن خلق هو مجرد مورد بشري، مثله مثل باقي الموارد الأخرى، كالموارد المالية والمنشآت والحواسيب التي تحتاجها الشركات لخدمة إنتاج المصانع وزيادة أرباحها، تركوه حرا خارج المصنع ، زعموا. واستنكفوا واستكبروا على الاستسلام لمنهج الله للإنسان الذي يخلصه من عبودية كل شيء، إلا عبودية الله الواحد الديان، بل الأدهى من ذلك عندما وضعوا له نظاما بديلا ناقصا قاصرا يسّير به حياته، سمحوا له فيه حتى بمخالفة الفطرة بالإباحية والشذوذ الجنسي، ناهيك عن إفساد أحواله الاقتصادية وغيرها من جوانب حياته، ممّا يضر الإنسان ويرده أسفل سافلين !!
أمّا الإسلام فقد بين في آية واحدة أن جميع تعاملات الإنسان -سواء كانت في المصنع أو في الحج وهو يؤدي النسك- أنها كلها يجب أن تكون خالصة لله تعالى ، وهذا ما غاب عن تصور منظري الغرب، ففصلوا الدين عن الحياة ، ولم يعوا أنهم بفعلهم هذا كأنما سحبوا من جسد الإنسان دمه الذي جعله الله سببا لبقائه، فقد أماتوا قلبه بفصل دينه عن حياته، الدين الذي أكمله الله وأتمه رحمة وهداية للإنسان !!
لقد جاء ذكر النسك ضمن الآية العظيمة من سورة الأَنْعَام التي تكلمت عن حياة الإنسان وما يتخللها من أعمال دينية ودنيوية، وأنها كلها يجب أن تكون لله رب العالمين، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : ١٦٢] !!
وزاد الإسلام على ذلك بأن جعل العبادات، -ومنها حج بيت الله الحرام- طريقا ليرسِّخ في نفوس المسلمين أن أساس نظام الحياة الذي يحتاجونه في حجهم وبعد عودتهم لبلدانهم هو الاستسلام لخالقهم العليم الحكيم، والانقياد لأمره ونهيه، ممتثلين لمنهجه في باقي رحلة حياتهم !!
أخيرا: هكذا يتبين الفرق بين الإسلام المنهج الرباني الشامل لكل جوانب الحياة- والتي منها الإبداع المادي- وبين منهج البشر الذي نجح في دفع الإنسان لبذل قصارى جهده وطاقته في مصنعه، ثم تركه هملا كالأنعام في سائر حياته ، بل هو أضل منها كما قال تعالى عن المتمردين على منهجه الرافضين للاستسلام لخالقهم: {أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف : ١٧٩] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!