الحلقة الخامسة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران : ٥٦] !!
يا أمة الاسلام !! من الذي ينزل عليه العذاب الشديد في الدنيا والآخرة، على مدار تاريخ البشرية، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ؟!
يظن بعض المسلمين -بسبب ضعف الأمة المسلمة المادي المعاصر- أن عذاب الله تعالى نازل عليهم !! فيقول لك انظر: دول مسلمة تشتكي الفقر، وأخرى أنهكها الاختلاف ومزقتها الفرقة، وثالثة ضيعها التبذير والإسراف في اقتراف ما يغضب الله تعالى !! ثم يؤشر لك في المقابل إلى الرفاهية التي يعيشها غير المسلمين !! وقوة العتاد والتقدم المادي الرهيب !!
وبالرغم من معرفة الكثير منا لواقع الأمة المسلمة المعاصر المرير ، لكنه ليس مبررا للجهل بسنة الله التي لا تتغير ولا تتبدل في إنزاله سبحانه العذاب الشديد على الكافرين في الدنيا وفي الآخرة !! قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران : ٥٦]، وما العذاب الشديد من أعاصير وزلازل مدمرة -مما يسميه بعض ضِعاف الإيمان كوارث طبيعية- إلا مصداقا لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد : ٣١] !!
والمشكلة تتفاقم حينما ينصرف معنى العذاب النازل على الكافرين عند البعض إلى أن يكون عذابا استئصاليا، لا يبقى للكافرين بعده أثر، في حين أننا نرى ألوانا من العذاب يصبها رب العالمين على الكافرين صبا !!
وأكبر عذاب نزل عليهم في عصرنا هو عبادتهم للمال -الاقتصاد- حتى ذاقوا بسبب هذا الصنم الويلات، حينما أخذ يوجه نمط حياتهم الوجهة التعيسة !! قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبدالدينار والدرهم والقطيفة والخميصة) رواه البخاري .. وجههم صنم الاقتصاد إلى الغرق في الشهوات، والاحتراق وحرق غيرهم في الحروب الظالمة المفتعلة !! ناهيك عن الانهيارات الاقتصادية التي سببها جرم الربا العظيم !!
ولون آخر من ألوان العذاب النازل على الكافرين هو تسليط الله تعالى عليهم الطواعين والأمراض، قال صلى الله عليه وسلم : (ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لمً تكن في أسلافهم الذين مضوا) صححه الألباني [صحيح الترغيب (2187)]، أمراض لا يمكن إيقاف نزولها بسبب التقدم المهيل في علوم الطب !! بل هي في ازدياد، وليس لظاهرة ازديادها علاج إلا بالاستسلام لرب العالمين وترك الفاحشة التي أوغلوا فيها !!
ثم نتج من تهجين ألوان العذاب المختلفة عذاب وليد جديد خطير ينذر بانهيار حضارتهم المادية، ألا وهو تفكك الأسر وتقطع علائقها حتى لم يجد الوالدين مكانا -بالرغم من وجود الأولاد البالغين- سوى دار العجزة البئيس الموحش !! وقد قوض الله بنيان من مكر من قبلهم من الأمم على رؤوسهم، قال تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النحل : ٢٦] !!
ثم تفاقمت المشكلة مرة ثانية -وتلاشى من أذهان الكثير مفهوم أن العذاب الشديد نازل على الكافرين في هذه الدنيا، شدة لا تقارن أبدا بالابتلاءات التي يبتلي الله بها المؤمنين بشيء من خوف وجوع ونقص في الأموال والثمرات، حتى يعودوا لدينهم- حينما خَفَتَ وبهت وضعف الحديث عن الشرط الذي اشترطه الله تعالى لتمكين الأمة المسلمة التمكين الكبير وهو: عبادته بدون شرك: قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور : 55]، خفت الحديث عن شرط الله في التمكين، وارتفعت نبرة غلو في اتخاذ الأسباب – التي هي أصلا مطلب معروف في ديننا، حسب الاستطاعة- للحاق بالتقدم المادي التقني الذي وصل إليه غير المسلمين، وكأنه هو الشرط الذي اشترطه الله علينا، مما أضعف في حس الكثيرين أن العذاب الشديد نازل على الكافرين !! بل وصل الحال عند بعض الكتاب أن يجعل اتخاذ الأسباب سنة كونية وكأنه يقول: لن يزول الكفار إلا بقوة مادية تكافئهم، وكأنه ليس للكون إله يبغض الكفار ويسميهم شر البرية، وينزل عليهم عذابه الشديد في هذه الدنيا وفي الآخرة !!
وأخيرا: فقد احتجت للكتابة في هذا الموضوع، لأنه ضمن منظومة من المفاهيم التي من شأنها أن تعيد للمؤمن اعتزازه بدينه، وتجذبه إليه ، بدلا من الهروب الذي نجده من شباب اليوم من التمسك بدينهم العظيم !! كذلك يعالج الموضوع خطر الانبهار بالحضارة المادية التي شرِق بها البعض، فكدرت عليهم صفاء عقيدتهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!