الحلقة الأولى من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة : ١٤٣] !!
لابد من استشعار واجبنا تجاه واقع غير المسلمين المرير في هذا العصر وبُعدهُم عن خالقهم العظيم !!
فأهم ما في هذا الموضوع هو سؤال الله تعالى التوفيق في توصيف هذه الغفلة عند غير المسلمين ؛ بحيث يستوعب القاريء كبرها وعظيم خطرها !!
ينصب حديثي عن نظرة الإسلام في المناهج – عقائد وعبادات وتعاملات – التي شرعها أكثر من خمس مليارات من غير المسلمين لأنفسهم ، وعن مصيرهم لو ماتوا على ما هم فيه من تيه وضياع ، وبذلك يتجلى لكل أحد أن الدين عند الله تعالى هو الإسلام، ولا يقبل الله تعالى من البشرية دينا سواه، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران : ٨٥] !!
كما يتجلى معنى قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون : ٦]، من سورة الكافرون التي نزلت للبراءة من الشرك وأهله، لا كما يفهمها البعض أن الآية الكريمة تقر حرية العقيدة، وأنها تقر غير المسلمين على دينهم ، بل على العكس تماما، فقد بين صلى الله عليه وسلم أن سورة الكافرون براءة من الشرك ، قال أهل التفسير: {لَكُمْ دِينُكُمْ} الشرك، {وَلِيَ دِينِ } الإسلام !!
صحيح أن الأرض لن تخلو من أناس يدينون بغير الإسلام .. لكن نحن نعلم أنهم على باطل، وأن الإسلام لا يقرهم على شركهم وباطلهم .. وقد أعد الله تعالى لمن يختار الشرك والكفر نار جهنم، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف : ٢٩] !!
وأهمية الموضوع تكمن في ضرورة استحضار المسلمين للانتكاسة التي بلغت ذروتها في التعامل مع الله تعالى من قبل غير المسلمين ، هذا الاستحضار سيدفع المسلمين إلى زيادة التمسك بدينهم الحق؛ حتى لا ينحدرون كما انحدر غيرهم ؛ وحتى لا يكونون فتنة لغير المسلمين ؛ لأنه ممّا زاد الطين بلة فتور وبرود وبُعد كثير من المسلمين عن تمثُل قيم دينهم وإبراز الصورة الحقيقية التي رسمتها لهم آيات الكتاب الكريم عن المنهج القويم للعيش في الحياة الدنيا كما أراد الله تعالى ، فلم يكونوا بذلك قدوة يتأثر بها غير المسلمين – إلا ما رحم ربي- وقليل ما هم !!
أقول في وصف واقع غير المسلمين المرير، وبالله التوفيق:
تمضي هذه المليارات من غير المسلمين مطلع كل يوم إلى أعمالها ، وتمضي باقي المخلوقات من طيور وأنعام كذلك للبحث عن أرزاقها ، لكن الفارق بين الاثنين أن الطيور والأنعام تسبح بحمد ربها، بينما غير المسلم يسبح بحمد المادة أو غيرها من الآلهة التي جعلها لله ندا وشريكا ، كعيسى عليه السلام أو بوذا أو أهوائهم ، قال تعالى: ({أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية : ٢٣] !!
الله تعالى إله واحد، قال تعالى: {هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ابراهيم : ٥٢]، وهناك جنة ونار مخلوقتان ، وغير المسلمين لا يحملون أدنى إحساس تجاه الإله الواحد ولا تجاه جنته وناره !! وگأنما الحديث عن الدين الحق هو حديث لا صلة لهم به ، وگأنهم خلق آخر قد خُلِقُوا من غير شيء أو كانوا هم الخالقون لأنفسهم !!*
الأمر مروع وخطير عند المؤمن الذي يعلم الصورة الحقيقية من مراد الله تعالى لكيفية عيش الإنسان في هذه الدنيا، ثم يرى ما اختار هؤلاء المتمردون على الله تعالى من مناهج لأنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان بلغت بهم الذروة في الانحطاط في هذا العصر !!
ويشتد الأمر خطرا حينما نقرأ في كتاب ربنا عن النهاية الأليمة والمخزية التي سيكون عليها مصير المتمردين على الله تعالى يوم القيامة : عذاب شديد، ونار وقودها الناس والحجارة ، فهل تصورنا حجم الخطر لمن تنكب الصراط المستقيم ؟!
إننا حينما نتكلم عن هذا الموضوع لا نتكلم عن تصورات من عند أنفسنا ، بل من عند خالقنا سبحانه ، وقد ينسى الإنسان أو يتناسى أشياء كثيرة، إلا رسالته في الحياة التي نص عليها القرآن الكريم، فيجب عليه ألا ينساها، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل : ٣٦]، وهي رسالة أرسل الله بها عشرات الألوف من الرسل والأنبياء عليهم السلام ؛ ليعيش الناس وفق هذه الرسالة في الحياة الدنيا، وهي التي ارتضاها الله تعالى وضمّنها كتابه الكريم ، بل إن نسيان الرسالة الربانية آذنة بأن ينسيه الله نفسه ، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر : ١٩] !!
إن الذي ينسيه الله نفسه فلا يبصر حقيقة ما يريده الله تعالى منه في هذه الدنيا لهو أشد عمى من كفيف فاقد للبصر ، وأشد تيها ممّن ضَل في صحراء شاسعة ، وسيكون أشد عمى وضلالا يوم القيامة، قال تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الإسراء : ٧٣]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا • الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا • أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا • ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف : ١٠٣-١٠٦] !!
أخيرا: كيف يمكن لإنسان أيا كان، أن يعيش على هذه الأرض متنكبا منهج الله القويم إلا أن يكون ميتا ؟! وهذه هي الحقيقة التي أقرها القرآن الكريم : أن كل من تنكب الصراط المستقيم فهو ميت، قال تعالى : {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : ١٣٢]، بنور القرآن أحيا الله أمواتا-كما سماهم القرآن- كانوا ذاهلين عن حقيقة منهج الحياة الدنيا الذي يرضي الإله سبحانه !!
وعليه فإننا نجزم أن في الأرض اليوم أكثر من خمس مليارات من البشر من غير المسلمين في عداد الموتى ، فهلا استنفرنا أنفسنا لزيادة التمسك بديننا ومن ثمّ القيام بواجب الدعوة تجاه هؤلاء الموتى لإحيائهم بالدعوة إلى كتاب الله؛ علهم يرجعون للحياة الطيبة في الدنيا ثم الجنة في الآخرة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!