الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة “بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم”، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا} [الإسراء : ٩٤] !!
بينت -بتوفيق من الله تعالى- في الحلقات الماضية من هذه السلسلة؛ جوانب من الحكمة الربانية العظيمة في كون الرسل عليهم الصلاة والسلام بشرا من البشر، قال تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} [الإسراء : ٩٣] !!
ونستمر -بعون الله تعالى وتوفيقه- في بيان مزيد من الأدلة القرآنية على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، من ذلك:
قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف ١٨٨]، وهذا دليل واضح على بشريته صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان شأنه -صلى الله عليه وسلم- شأن سائر البشر؛ لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا !!
وكذلك قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران : ١٢٨]، قال أهل التفسير: “ليس لك -أيها الرسول- من أمر العباد شيء، بل الأمر كله لله تعالى وحده لا شريك له.” !!
الآية الكريمة دليل واضح على بشريته صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان شأنه -صلى الله عليه وسلم- شأن سائر البشر؛ لا يملك من أمر العباد شيء !!
وعليه فإن بيان القرآن الكريم في الآيتين السابقتين لطبيعة الرسل؛ وأنهم عليهم السلام ليس لهم من أمر أنفسهم شيئا؛ ولا من أمر العباد؛ لهو -وعمر الله- من أقوى الحجج القولية والعملية لتحطيم أكبر صنم عرفته البشرية خلال تاريخها الطويل: عبادة البشر لبعضهم البعض، وهو ضلال زامن البشرية منذ عبادة قوم نوح عليه السلام للصالحين؛ وإلى عصرنا هذا !!
فالآيتان الكريمتان كفيلتان بنسف أباطيل أهل الزيغ والضلال؛ ممّن غلوا في أنبياء الله تعالى؛ كغلو النصارى في عيسى عليه السلام !!
وكذلك تنسفان أباطيل أهل الزيغ والضلال؛ ممّن غلوا في أولياء الله تعالى؛ كالغلو في علي رضي الله عنه؛ وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم !!
وكذلك تنسفان أباطيل أهل الزيغ والضلال؛ ممّن أطاعوا أئمتهم في الضلال وكبراءهم في الشرك، قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب : ٦٧] !!
وأخيرا: إنه لشدة ضلال وشناعة عبادة البشر بعضهم البعض؛ فقد خصّها القرآن الكريم بحوار مؤثر بين رب العالمين وعيسى عليه السلام يوم القيامة، يتبرأ فيه عيسى عليه السلام ممّا نسبه إليه أتباعه؛ بأنه -حاشاه- إله، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة : ١١٦] !!
إن بيان القرآن الكريم لطبيعة الرسل عليهم السلام؛ وأنهم ليس لهم من أمر أنفسهم شيئا؛ ولا من أمر العباد؛ مقصد عظيم جاءت به الشرائع السماوية كلها؛ لتهنأ البشرية بعبادة الله تعالى وحده؛ والعيش سواسية فيما بينهم !!
في منهج الله تعالى تتجلى بشرية الإنسان في أجمل وأفضل وأرقى صورها !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!