الحلقة الرابعة والعشرون من سلسلة الجنة والكعبة .. وتذكير الحجر الأسود لنا بالجنة -كونه منها- مرات عديدة يوميا؛ كلما اتجهنا إلى القبلة؛ في صلاة وغيرها مما شرع لنا ربنا استقبال القبلة له !!
قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر : ٣٣] !!
كما يقف المسلم فرِحا ومشدودا لكلام الله تعالى؛ وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن طعام وشراب أهل الجنة !!
وعن حورها وقصورها !!
وأنهارها وخَضارها !!
كذلك يقف المسلم فرِحا ومشدودا لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن لباس أهل الجنة !!
لقد أتى الإسلام بمنهجه العظيم ليحافظ على سلامة وأمن المسلم حتى في ملبسه، فشرع له ما ينفعه فيه؛ ولا يضره؛ في هذه الدنيا -فاللبس المُخِل؛ يُخِل بالأمن، كما سيأتي بيانه في الفقرة الأخيرة من هذا المقال- وبين له سبحانه وتعالى أن اللباس للستر وللزينة، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف : ٢٦]، {وَرِيشًا}؛ قال أهل التفسير: “ولباسًا للزينة والتجمل، وهو من الكمال والتنعم” !!
ثم شدّه شدا إلى ملبسه في جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ من أرق وأجمل أنواع اللباس، قال الله تعالى: {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الدخان : ٥٤]، وقال صلى الله عليه وسلم عن خمار نساء الجنة: (ولَنصِيفُها على رأسِها خيرٌ من الدنيا وما فِيها)[متفق عليه] !!
وكم يفرح المسلم ويدهش إذا عرف من أين وكيف تأتي الثياب في الجنة؟! عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مئة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها) [سلسلة الأحاديث الصحيحة (1985)]، قال أهل العلم في الحديث: (لا توجد مصانع في الجنة تصنع، ولكن هناك شجرة تنبت في الجنة تخرج منها ثياب أهل الجنة. [تفسير أحمد حطيبة (307/ 9)] !!
كذلك جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت ثياب أهل الجنّة، أتنسج نسجا أم تشقّق من ثمر الجنّة؟ قال: فكأنّ القوم تعجّبوا من مسألة الأعرابيّ فقال: (ما تعجبون من جاهل يسأل عالما؟) قال: فسكت هنيّة، ثمّ قال: (أين السّائل عن ثياب الجنّة؟) قال: أنا. قال: (لا. بل تشقّق من ثمر الجنّة) [صحح إسناده أحمد شاكر في تخريج المسند (١١٤/١١)] !!
أخيرا: وعلى عكس منهج الإسلام القويم -الذي يجعل المسلم متشوّقا ومتطلعا إلى لباس أهل الجنة الذي لا يخطر على قلب بشر- زعمت ديانة النصارى المحرّفة أن الجنة خالية من أي نعيم مادي -بما في ذلك اللباس- وإنما هي -بزعمهم- حياة مَحبة وسلام؛ مع إلههم المسيح وأبيه في السماوات؛ تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا !!
ولأن جنة النصارى خالية من التشويق للشهوات المادية -ومنها اللباس- انجذب غير المسلمين بشدة لما صنعته الحضارة المادية عامة، وبيوتات الأزياء على وجه الخصوص؛ من ألبسة تضرهم ولا تنفعهم -ولسان حال الأتباع يقول: لنستمتع بدنيانا؛ مادامت الجنة خالية من المُتع الحسية- حيث اتجهت بيوتات الأزياء باللباس نحو منعطفين خطيرين:
الأول: التبرج الذي نهى الله تعالى عنه، قال تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب : ٣٤])، ولا يشك عاقل أن ألبسة النساء العارية تعد من أكبر أسباب جرائم الاغتصاب الكثيرة والشنيعة لديهم، حيث أفرزت خللا أمنيًا خطيرا؛ لا ينقشع إلا بالاستسلام لله رب العالمين .. وقد تنبأ صلى الله عليه وسلم بهذه الألبسة العارية في قوله: (ونِساءٌ كَاسِياتٌ عَارِياتٌ) [أخرجه مسلم (٢١٢٨)] !!
الثاني: التعالي والتفاخر باللباس الذي قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه: (لا ينظرُ اللهُ يومَ القيامةِ إلى من جرَّ ثوبَه من الخُيلاءِ) [أخرجه البخاري (٣٦٦٥)، ومسلم (٢٠٨٥)]، فكم سمعنا بماركات الملابس -وهو اسم تطلقه الشركات المصنعة المشهورة على نفسها- التي تجاوز سعر بعضها بضعة ألوف من الدولارات؟! يشتري البعض هذه الماركات للجودة العالية، ويسرف البعض الآخر فيشتريها للتفاخر والتعالي .. فاللهم لك الحمد على نعمة الإسلام وهديه القويم !!
اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!