الحلقة الثالثة والعشرون من سلسلة الجنة والكعبة .. وتذكير الحجر الأسود لنا بالجنة -كونه منها- مرات عديدة يوميا؛ كلما اتجهنا إلى القبلة؛ في صلاة وغيرها مما شرع لنا ربنا استقبال القبلة له !!
قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ • قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ • فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور : ٢٥-٢٧] !!
الآية الكريمة تنقل لنا جانبا من أحاديث أهل الجنة؛ يتناولون فيه عظيم ما هم فيه من نعيم، بعد أن أدخلهم الله تعالى الجنة؛ ووقاهم عذاب الجحيم !!
هذا الحديث الذي حكاه لنا القرآن الكريم لم يقع بعد؛ فالساعة لم تقم، لكنه من عِلم الله تعالى لِما سيكون من أمر أهل الجنة إذا دخلوها !!
وهو أسلوب تشويقي مؤثر، ينبغي لنا أن نعيشه ونحاكيه ونستشعره ونحن بعد في هذه الدنيا .. وما على المؤمن حتى يستشعره إلا أن يحدِّث نفسه -محسنا الظن بالله تعالى- وكأنه في الجنة؛ متلذذا بأنواع نعيم الجنة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ حين يدخلها، ومبغضا لأنواع العذاب والحرمان؛ التي سيجنبه الله إياها يوم القيامة .. يحدّث نفسه لمرات في اليوم كلما ذكّرته النصوص الشرعية بالجنة، وكلما ذكّره التوجه نحو القبلة – وفيها الحجر الأسود من الجنة- فيقول مثلا:
ما أعظمها من فرحة إذا أدخلني الله تعالى الجنة !! ستصير الدنيا ومدنها وأسواقها ودورها وطرقها -بعد دخولي الجنة- شيئا من الماضي .. إنه الفوز ورب الكعبة .. أنهار تجري من تحت القصور .. حدائق وأعنابا، وصدق الله تعالى حيث يقول: {لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر : ٢٠]، ويقول: سبحان الله كم هو صغير بيتي في تلك الدنيا؛ بجانب جنة عرضها السماوات والأرض !!
يحدّث نفسه -وكأنه في الجنة- فيقول: الحمدلله الذي سيكرمني بالحور الحِسان؛ اللاتي وعدنا سبحانه بهن فقال: {وَحُورٌ عِينٌ • كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ • جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة : ٢٢-٢٤]، قال صلى الله عليه وسلم عن أول زمرة يدخلون الجنة: (لكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن) [متفق عليه] .. هن لي أستمتع بهن .. ويقول في نفسه: كيف لو حُرِمت هذا الجمال؛ كما حُرِمها أناس يلقيهم الله تعالى في النار، قال تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق : ٢٤]؛ عياذًا بالله من ذلك ؟!!
يحدّث نفسه -وكأنه في الجنة- فيقول: ما أعظمه من شعور؛ وأنا أعلم أني سأكون في مكان أرى فيه ربي تعالى !! ألا ما أوضع وأهون الدنيا التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدُّنيا تعدِلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَى كافرًا منها شرْبةَ ماءٍ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٩٤٣)]، يكفي الدنيا وضاعة أننا لا نرى فيها ربنا تعالى !!
أخيرا: إن الاشتياق إلى الجنة أمر محمود شرعا؛ دلت عليه النصوص الشرعية -كالآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال؛ وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك: (وأسألُكَ لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ، والشوْقَ إلى لقائِكَ)[صححه الألباني في صحيح الجامع (١٣٠١)]- ينبغي للمؤمن أن يتأمله كثيرا ويتفكر فيه، ولا ينبغي أن يكون ذِكرى الجنة -في حس المؤمن الصادق- ضعيفا، فإن الدنيا فاتنة غرارة، وقد يؤدي هذا الضعف إلى تفضيل الدنيا على الآخرة؛ وهو ذنب عظيم حذرنا الله تعالى منه كثيرا في القرآن الكريم، بل هو من صفات المنافقين، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة : ٨]، فالمؤمن الذي يعتقد بحق وصدق باليوم الآخر؛ لا تغره الدنيا، ولا يلهث وراءها !!
اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!