الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة الجنة والكعبة .. وتذكير الحجر الأسود لنا بالجنة -كونه منها- مرات عديدة يوميا؛ كلما اتجهنا إلى القبلة؛ في صلاة وغيرها مما شرع لنا ربنا استقبال القبلة له !!
قال الله تعالى: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ • الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ • ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف : ٦٨-٧٠] !!
نِعمة عظيمة أن يتذكر المؤمن الجنة مرات عديدة في اليوم الواحد -سواء كان سبب ذلك التذكر التوجه إلى القبلة التي جعل الله تعالى فيها حجرا من الجنة؛ أو تلاوة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وقد امتلئا حديثا عن الجنة !!
وعند تأمل خطاب الله تعالى لأهل الجنة في الآية التي هي موضع التأمل: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}؛ تتسارع إلى الذهن معان جميلة؛ تفوق الخيال في جمالها؛ منها: الفرق بين قُرْبنا من الله تعالى في الجنة؛ وبين قُرْبنا منه سبحانه في هذه الدنيا !!
نحن نلمس في هذه الدنيا آثار أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العليا؛ علينا وعلى كل شيء من حولنا .. ندعوه فيستجيب لنا .. نقرأ كلامه سبحانه المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم فتلين جلودنا وقلوبنا لذكره .. نعبده بشتى أنواع العبادات المشروعة .. لكننا لا نراه سبحانه في هذه الدنيا .. لا يخاطبنا إلا من خلال كتابه .. وقُرْبه منا سبحانه في هذه الدنيا قربٌ عامّ من كل أحد بعلمه وإحاطته، وقربٌ خاصّ من عابديه وسائليه !!
أمّا في الجنة؛ فيولد في نفوسنا إحساس جديد .. فهناك رؤية لله تعالى .. هناك خطاب الله تعالى لنا .. ليصبح قُرْبنا من الله تعالى في الجنة؛ أرفع وأعلى وأعظم من قُرْبنا منه سبحانه في هذه الدنيا، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ • فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر : ٥٤-٥٥]، وقال تعالى: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين : ٢٣]، قال أهل التفسير: “على الأسرَّة ينظرون إلى ربهم” !!
ثبتت رؤيتنا لله تعالى؛ وخطابه لنا في الجنة بالنص الشرعي، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ)[رواه مسلم (١٨١)] !!
وأعظم ما في هذا القُرْب من الله تعالى في الجنة؛ هو شعورنا أنه ليس إحساسا نستشعره لمرة واحدة ثم يذهب -كما نحن في الدنيا؛ نشتاق إلى رؤية الله تعالى في الجنة ثم ننشغل بأمور دنيانا؛ ويخف شوقنا- كلا .. في الجنة شعور بالقرب من الله تعالى؛ سيخلُد في ذاكرتنا؛ مع خلودنا في جنات النعيم، ولا يمكن أن ينساه أهل الجنة لحظة واحدة، كيف سينسى أحدنا رؤية الله تعالى؛ ومخاطبته سبحانه لنا ؟؟!!
وقد خُص صنف من أهل الجنة بقُرْب مخصوص من الله تعالى -الله تعالى أعلم بكيفيته- قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما ولوا.)[رواه مسلم (١٨٢٧)]، اللهم اجعلنا منهم يا جواد يا كريم !!
وأخيرا: حينما تَفَكر وتَدَبر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم -بأفهامهم السليمة- في نعيم الجنة -وهم بعدُ في هذه الدنيا- استبطأوا حتى الموت، كل ذلك استعجالا لدخول الجنة، فهذا عمير بن الحمام رضي الله عنه -يوم بدر- حين قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ)، أخرج ثمرات ليأكلها ثم قال: “لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قالَ: فَرَمَى بما كانَ معهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حتَّى قُتِلَ” !!
اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!