التأمل المفيد (٩٦)

الحلقة الثامنة من سلسلة الجنة والكعبة .. وتذكير الحجر الأسود لنا بالجنة -كونه منها- مرات عديدة يوميا؛ كلما اتجهنا إلى القبلة؛ في صلاة وغيرها مما شرع لنا ربنا استقبال القبلة له !!

قال الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق : ٣٤] !!

لا يمكن للكلمات وصف عظمة الخلود في جنات النعيم .. فهو بحق يضفي على الحياة في الدار الآخرة صفة الحياة الحقيقية؛ فتزداد الجنة به جمالا وسرورا وحبورا !!

ولا يقتصر الخلود في جنات النعيم على خلود المكث والبقاء في الجنة، بل يمتد إلى خلود في مفردات نعيم الجنة ولذائذها وطيباتها، قال تعالى: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ • وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ • وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ • وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ • وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ • لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة : ٢٨-٣٣] .. هناك في الجنة لا تخشى انقطاع شيء من ألوان النعيم .. فأنهار الماء واللبن والعسل والخمر؛ وفرتها خالدة مستمرة !! وأنواع الفواكه واللحوم مما يشتهي الإنسان؛ وفرته خالدة مستمرة كذلك !!

وكما تخلد هناك الأمور الحسية من مأكول ومشروب وحور وغيرها .. كذلك تخلد الأمور المعنوية، فالرضى والسعادة والفرح لا مجال لانقطاعه بخبر مؤلم أو مرض أو فقر؛ كما كانت منغصات الدنيا تخطف منا فرحاتنا القصيرة .. في الجنة لا نعرف مشاعر الحزن أو الخوف، قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف : ٤٩] !!

بل لا وقت هناك حتى لإخراج الأذى من الإنسان !! فليس هناك في جسد الإنسان أي أَذًى !! قال صلى الله عليه وسلم عن أهل الجنة: (لا يتغوطون، ولا يتبولون، ولا يبزقون) [متفق عليه] !!

إنها الجنة؛ ذات الحياة الحقيقية كما قال ربنا {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}[العنكبوت : ٦٤] .. حتى أن الموت الذي يناقض معنى الحياة -والذي سلطه الله تعالى على كل نفس في الدنيا- يذبح ذبحا هناك، ليخرج من قلبك وعقلك شيء اسمه الموت !! فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح:  (فَيُذْبَحُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ) الحديث [متفق عليه] !!

وكذلك من عظيم هذا الخلود في جنات النعيم؛ أن لذاته ذات الصنعة الربانية لا يمل الإنسان منها ولا يريد التحول عنها، قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف : ١٠٨] .. ولتقريب الصورة: كم يتمنى الإنسان لو أن شهواته الدنيوية -التي لا تقارن ولا بقدر الذرة من ملذات ونعيم الآخرة- ألا يتحول عنها !! فكيف عساها تكون ملذات ونعيم الآخرة التي لا يريد المؤمنون التحول عنها ؟!!

اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!