الحلقة الثامنة من سلسلة “حاجة البشرية لأشهر الحج المعلومات”، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة : ١٩٧] !!
عندما يهلّ هلال شهر شوال من كل عام؛ تحل على البشرية أشهر الحج المعلومات !!
لهذه الأمور العِظام .. رفع الله تعالى قدر وفده الكرام؛ حجاج بيت الله الحرام !!
وفد اختاره الله تعالى واصطفاه .. فلا يملك القلوب إلا الله .. قذف فيها حب وتعظيم بيته الحرام .. فوفدوا إليه آمّين من كل فج عميق !! ليدخلوا -لحظة انطلاق تلبيتهم لله تعالى- في منظومة الحُرمات !! وصاروا مُعظَّمين كالبيت الحرام !! قال ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ} [الحج : ٣٠]، عن زيد بن أسلم قال: “الحُرُمات خمس : المسجد الحرام، والبيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمُحِرم ما دام محرماً” !!
يُحرم المصلي بقوله “الله أكبر” فلا يقطع الناس صلاته -تعظيما لله تعالى- حتى ينتهي منها .. وكذا الوافد يُحرم بقوله عند ميقاته “لبيك اللهم عمرة، أو حجا، أو عمرة في حج” فيصبح من الحُرمات المعظَّمة -تعظيما لله تعالى- حتى يحل من إحرامه !!
على المقيمين أن يستشعروا هذا التعظيم للمُحرِم عند رؤيتة والتعامل معه .. وكيف لا يُعَظَّم وحرمة المسلم أشد -حتى في حال حِله- من حرمة الكعبة، كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: (مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منك ..)[السلسلة الصحيحة 3420]، فكيف عساها تكون حُرْمته وهو مُحرِم ؟!
عبّر الصحابة عن عظيم قدر هذا الوافد بجمل عظيمة !! فهذا ابن عباس رضي الله عنه يقول:(لو يعلم المقيمون ما للحجاج من حق عليهم لأتوهم حين يقدمون إليهم ولقبلوا رواحلهم!! ذلك أنهم وفد الله من بين الناس) [الدر المنثور 1/ 507]، ولا ريب أن هذه منه رضي الله عنه تعظيما لشأنهم .. وهو حَبْر هذه الأمة وعالمها !!
إنه وفد قد أخذ على عاتقه رفع كلمة التوحيد خلال رحلته عاليا .. تائبين ذاكرين، مهللين ومكبرين .. حتى الجدال تركوه؛ ليظهروا عظمة هذا الدين القويم !! قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[الحج : ١٩٧] !!
خط لهم سبحانه العلي الكبير مسار رحلتهم من البداية وحتى النهاية، قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة : ١٩٩] .. انطلقوا في رحلة غير عادية .. يتنقلون فيها على هذه الأرض؛ متبعين أوامر السماء !! حتى محظورات إحرامهم إذا أخلوا بها؛ صححوا خطأهم من وحي السماء !!
الأحجار والأشجار لها شأن معهم، فهي تلبي متى ما لبوا، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مَدَر)صححه الألباني [صحيح الجامع (٥٧٧٠)] !!
ثم تأمل عطايا الوهاب الجواد الكريم لهم؛ كيف جعلهم مستجابي الدعوة، قال صلى الله عليه وسلم: (يغفر الله للحاج ولمن استغفر له الحاج) حسنه ابن حجر [الفتوحات الربانية (٥/١٧٦)]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللَّهِ، دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ)صححه الألباني [صحيح الجامع (٤١٧١)] !!
ولو باهى مسؤول في هذه الدنيا بشخص أمام آخرين؛ لطار فرحا !! فكيف ورب الأرباب يدنو سبحانه من عباده عشية عرفة يباهي بهذا الوفد ملائكة لا يحصيهم إلا الله تعالى !!
غفران الذنوب وجنة عرضها السماوات والأرض هي الجزاء الأوفى لهذا الوفد الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته)[متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)[متفق عليه] !!
ثم يكون الأثر الأكبر لقدوم هذا الوفد الكريم؛ أن تأمن البشرية من قيام الساعة؛ مادام وفد الحجيج مستمرا في قصده البيت العتيق !! قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2430) .. وقال ابن عباس رضي الله عنه: “لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض” [تفسير ابن كثير (413/1)] !!
حقا؛ إنَّ رحلة الحج لا يمكن وصفها بكامل أبعادها العظيمة !! فإنه وإن كان بإمكاننا الحديث عن الوافد بما ثبت بالنصوص الشرعية .. أقواله وأعماله وتنقلاته وما وهبه الله تعالى من عطايا ومنن !! فأنى لنا أن نصف رب هذا الوافد العظيم وملكوته؛ إلا بما وصف به نفسه ؟!! ثم تبقى بعد ذلك حقائق عن ربنا سبحانه؛ لا تقر بها أعيننا إلا يوم أن نلقاه ونراه سبحانه الواحد العلي القهار !! قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : ١١] !!
اللهم اجعل هذا البلد آمنا !!
نواصل في الحلقة القادمة من هذه السلسة -بإذن الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن أشهر الحج المعلومات !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!