التأمل المفيد (٨٥)

الحلقة السابعة من سلسلة “حاجة البشرية لأشهر الحج المعلومات”، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة : ١٩٧] !!

عندما يهلّ هلال شهر شوال من كل عام؛ تحل على البشرية أشهر الحج المعلومات !!

في هذه الحلقة سأبين -بعون الله تعالى- رحمة الله تعالى البالغة بالبشرية؛ بجعل أم القرى بلدا حراما .. حيث يظهر الموحدون -ممن يسكنها أو من يفد إليها- حرمتها طوال العام؛ وبالأخص في أشهر الحج المعلومات !!

إن كون مكة المكرمة بلدا حراما لا يعني فقط ابتعاد المسلم فيها عن الغيبة والنميمة وأذى الناس فحسب !! إذ إن المسلم حتى وهو في أقصى الأرض أو أدناها، في شرقها أو غربها، لابد من تجنبه الغيبة والنميمة وأذى الناس !! لكن النص الشرعي ارتقى بالمسلم في البلد الحرام -زيادة على ابتعاده عن المحرمات المعروفة، من غيبة ونميمة- ارتقى به ليتعامل التعامل الصحيح حتى مع بيئته الزاخرة بألوان الحياة والمنافع المختلفة كالشجر والصيد والمال !! فما بالك بتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان ؟!! قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ،خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي , وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ , وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ , وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا ، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ) [متفق عليه] !!

وحتى نلامس بمشاعرنا تلك الأجواء المعظِّمة؛ أنقل للقارئ الكريم قصة عمر رضي الله عنه مع الحمامة التي ذرقت على يده شيئا من قذرها: فقد روى بن أبي شيبة من طريق الحكم عن شيخ من أهل مكة أن حَمَاماً كان على البيت فَذَرَق على يَدِ عمر فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة ، فجاءت حية فأكلته ، فَحَكَم عمر على نفسه بِشَاة !!

لقد استشعر عمر رضي الله عنه أن الله تعالى هو الذي حرّم مكة وليس الناس: قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين}[النمل:٩١] !! وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إن مكة حرّمها الله ولم يحرمها الناس) .. نعم حرّمها سبحانه الحي الذي لا يموت يوم خلق السماوات والأرض؛ لتبقى حرمتها وعظمتها حية في القلوب إلى يوم القيامة .. ألا ما أعظم حرمة مكة، وما أطولها في الزمان !!

 إن تحريم الله سبحانه لمكة؛ إنما هو من تعظيم هذا البلد، وإظهار تميزه، وأن يكون أهله والوافدون إليه على أحسن حال في الاستجابة لأمره سبحانه؛ لما لذلك من أثر على الناس !! فإن المسلم الذي يمتنع عن تنفير الصيد في مكة؛ سيبتعد لا محالة عن ظلم وأذية الناس في كل تعاملاته، حتى في قيادته لسيارته؛ لن يتهور فيها؛ فيهلك نفسه أو غيره !! والذي يترك اللقطة -خاصة إذا كانت مالاً- ولا يأخذها في مكة؛ سيبتعد جزماً عن أكل الحرام !! والذي يمتنع عن قطع الشجر في مكة؛ سيبتعد يقيناً عن تخريب وإتلاف المرافق العامة والخاصة !! وهكذا يغدو التعامل في البلد الحرام راقياً وفاضلاً كما أراد الله لهذه البلدة الآمنة أن تكون هدى للعالمين في عباداتها وتعاملاتها !!

ما معنى الإلحاد في الحرم ؟ وهو المعنى المغاير لتعظيم الحرمات فيه:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}[الحج:٢٥].. في هذه الآية الكريمة نهى الله سبحانه عن إرادة الإلحاد في الحرم، وأصل الإلحاد في اللغة: الميل والعدول عن القصد، والملحد هو: المائل عن الحق، قال ابن عطية: “وهذا الإلحاد والظلم يجمع جميع المعاصي من الكفر إلى الصغائر، فلعظم حرمة المكان توعّد الله تعالى على النية السيئة فيه، ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بذلك إلا في مكة، هذا قول جماعة من الصحابة وغيرهم، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لو أن رجلاً بعدن هم بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله عذابًا أليمًا)”، قال الألوسي: “فإذا تبين لك أن الإلحاد أمر عام في جميع المعاصي والآثام فاعلم أن الله توعّد بالعذاب الأليم من أراد ذلك في الحرم، أما من فعل فالأمر أعظم” !!

كما بين صلى الله عليه وسلم أن منتهك حرمة الحرم من أبغض الخلق إلى الله تعالى: قال صلى الله عليه وسلم: (أبغض النّاس إلى الله ثلاثة، ملحد في حرم الله ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطّلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه) [صحيح البخاري (6882)]!!

أخي ساكن الحرم أو زائره:
وأنت في البلد الحرام جاهد نفسك لتكون أعمالك ومقاصدك على السداد، قال الألوسي: “فينبغي لمن كان فيه -يعني الحرم- أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد في جميع ما يهمّ به ويقصده” .. واحرص على أن تكون سريعاً في طاعة الله، بعيداً عن معصيته !!

اللهم اجعل هذا البلد آمنا !!

نواصل في الحلقة القادمة من هذه السلسة  -بإذن الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن أشهر الحج المعلومات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!