الحلقة الرابعة عشرة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!
أستمر -بتوفيق الله تعالى- في طرح بعض الواجبات المنسية التي لا يتوب بعض الناس من تركها !!
من الواجبات المنسية عند البعض: تذكير النفس بالقيم العظيمة التي نصت عليها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة؛ والتي يؤدي تجاهلها إلى تبني المسلم نقيض هذه القيم الشرعية الصحيحة !!
والأمثلة على ذلك كثيرة !! غير أني أقتصر على مثال واحد:
ما الذي يجعل بعض المسلمين – وقد أمرهم ربهم سبحانه بالقصد والمحافظة على أموالهم وأوقاتهم؛ أن تُنفق وتُصرف فيما يرضيه سبحانه- ما الذي جعل هذا البعض يكون من المبذرين المسرفين، والله تعالى يقول: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا • إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء : ٢٦-٢٧] ؟؟!!
هذه اللفتة القرآنية -في جعل المبذرين إخوانا للشياطين- تحتاج منا إلى الوقوف والتأمل لمعرفة الصفة المشتركة بين الشياطين والمبذرين ؟! إنها عدم حب الخير للآخرين !! فالمبذر ليس كريما؛ ينظر بعطف إلى المساكين والمحتاجين، بل هو كالشيطان في أنانيته وحبه لنفسه، وعدم حب الخير للآخرين !!
وحقيقة قرآنية أخرى يجب أن يعرفها مرتكب ذنب الإسراف أو غيره من الذنوب: أن الإصرار على ذنب؛ يجر صاحبه إلى ذنب أقبح وأشد منه، قال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة : ٤٩] !! وهذا واضح في حال المسرف المبذر الذي لا يتوب من تجاهله واجب القصد والرشد في إنفاقه لماله وصرفه لوقته؛ تجده يقع في ذنب أقبح من ذنب الإسراف والتبذير؛ وهو تجاهل مسئوليته عن نشر رسالة الإسلام، وتقاعسه عن بذل الجهد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور !! وهو واجب قال الله تعالى عنه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ • وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُون} [الزخرف : ٤٣-٤٤] !! لاشك أن الذي جعله يتجاهل هذا الواجب العظيم؛ هو الإسراف والتبذير والتسابق والتكالب على ملذات وشهوات هذه الدنيا الغرور !!
إن صور ومظاهر التبذير لا تقتصر -في هذا العصر- العجيب المخيف على الإسراف في المأكل والمشرب والملبس والمركب والمسكن فقط؛!! بل أخذ التبذير يتأصل عند البعض ليكون طريقة وأسلوب حياة !!
اللهو الإلكتروني الذي ضيع أوقات كثير من أبناء المسلمين وشبابهم !! خاصة البلي ستيشن !!
الماركات وما أدراك ما الماركات، خاصة في الملابس والسيارات !! يسرف بعضهم فيها بدون حاجة !! فقط لتجديد مركبه وملبسه للمباهاة والمفاخرة، وسعيا وراء الموديلات الجديدة !! وغيره من المسلمين لا يجد ما يسد به رمقه !!
كما صار ديدن الكثير السفر سنويا للسياحة خارج البلاد؛ حتى لو كان ذلك مكلفا؛ ويضطر بعضهم إلى استلاف المال !!
واخيرا: إن ممّا يدفعنا إلى ضرورة القصد والترشيد في استخدام مواردنا؛ هو نهيه صلى الله عليه وسلم سعدا رضي الله عنه عن الإسراف حتى في الماء؛ عند الوضوء: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ)[السلسلة الصحيحة (7/860)] !!
وهكذا تدفع توبة الأفراد والمجتمعات من ذنب تجاهل القصد والترشيد في الموارد والأوقات؛ إلى النهوض والارتقاء !!
اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!
نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!