التأمل المفيد (٧٠)

الحلقة التاسعة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!

لا ينحصر القصور في معرفة أهمية العمل ومكانته الكبيرة في الإسلام -عند البعض- على نقص في فهم الإخلاص وفق منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم -كما وضحت ذلك في الحلقة الماضية من هذه السلسلة- بل زاد هذا القصور ليمس الفهم الصحيح للإيمان عند أهل السنة والجماعة !!

الرسالة التالية -والتي وصلتني عن طريق الواتس أب- نموذجا لهذا القصور في الفهم الصحيح للإيمان:

أبوبكر لم يعذب ك “بلال” ولكنه أفضل منه !! 
ولم ينل الشهادة ك “عُمر” ولكنه أفضل منه !!
ولم يذق الفقر ك “أبي ذر” ولكنه أفضل منه !!
ولم يصرع الفرسان ك “خالد” ولكنه أفضل منه !!
ولم يُحرم بصره ك “ابن أم مكتوم” ولكنه أفضل منه !!
أبو بكر درس بليغ مفاده :
يستطيعُ الإنسان بقلبه أن يسبق الجميع !” انتهى..

هذ الرسالة لا تعكس اعتقاد المسلم في قضية الإيمان التي قررها القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ وهو أن الإيمان قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح .. وكذلك أنه -أي الإيمان- قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية !!

هذا القصور في فهم الإيمان الصحيح يترجمه بعضهم بنظافة قلبه، وأنه مملوء بالنوايا الحسنة !! ولو عاتبه أحد على تقصيره في عمل الصالحات؛ لأجاب ربنا رب قلوب، وإنما الأعمال بالنيات، والله ينظر إلى قلبي ويعلم ما فيه من حب الخير، ويستأنسون بقول بكر بن عبدالله المزني: (ماسبقهم أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام، وإنما بشيء وقر في قلبه) [جامع العلوم والحكم ص114)] !!

والسؤال هنا: هل جهل كاتب رسالة الواتس هذه، أم تجاهل الأعمال الجليلة التي قام بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد مماته صلى الله عليه وسلم ؟؟!!

باستعراض بعض أعمال أبي بكر رضي الله عنه العظيمة والكبيرة؛ نقف على فقهه العميق للإيمان الصحيح؛ كإنفاقه كل ماله في سبيل الله تعالى، وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان أعظم المجاهدين حيث واجه المرتدين؛ في حين تردد كبار الصحابة في قتالهم -رضي الله عنهم أجمعين- ناهيك عن أعمال خفية لا يعلمها إلا الله تعالى، في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه مسلم (1028)] !!

ولنا أن نتصور ضخامة الأثر جراء التوبة من القصور في فهم قضية الإيمان وفق منهج السلف الصالح، وأنه قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لا شك أنه سيدفع الأمة نحو النهوض والسيادة والريادة؛ على النحو الذى علا به سلفنا الصالح وسادوا وقادوا الأمم !!

اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!