التأمل المفيد (٦٧)

الحلقة السادسة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!

لأن التوبة تصحيح للمسار ونهوض بالأمة !! وإذا نهضنا؛ أخرجنا الناس من الظلمات إلى النور؛ فإن الله تعالى خصها بعوامل التشويق والجاذبية، وجعل لها أبوابا كثيرة مفتوحة، ذكرت بعضها في الحلقة الماضية، وفيما يلي مجموعة أخرى من المحفزات:

من ذلك: بسط الله سبحانه يده بالليل والنهار -بسطا يليق بجلاله- ليتوب عباده المسيئون، فعن ‏أبي موسى ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏قال: (إن الله عز وجل يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها) [رواه مسلم (2759)]!! 

ألا ما أعظم شأن التوبة عند الله سبحانه وتعالى، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم !! من منا نحن المؤمنين تبلغه هذه الأحاديث ولا يسارع إلى التوبة والاستغفار، حتى لو علم من نفسه خيرا ؟؟!! لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم الواحد مائة مرة ؟؟!! وكذلك من منا لا يخطئ ؟؟!! وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم)  [رواه مسلم (2577)] !! 

إن ارتباط التوبة بتصحيح العمل نحو الوجهة الصحيحة ليسعد الإنسان في الدنيا والآخرة، هو سر علو قدرها ومنزلتها في الإسلام، وذلك لأن العمل الصالح مؤشر للفلاح، وعكسه العمل السيئ مؤشر للشقاء، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) !!

ومن محفزات التوبة: تبديل سيئات التائب إلى حسنات، نعم تبديلها إلى حسنات، هكذا يقول ربنا الرحمن: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان : ٧٠] !! نعم إنه الكريم سبحانه، الذي يعطي حسنة لمن يهم بالسيئة ثم لا يفعلها، كما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة)[متفق عليه] !! 

أي مبلغ بلغه التشويق للتوبة ؟! السيئات تبدل إلى حسنات !! إنها الرحمة الإلهية بهذا الإنسان الضعيف، تحفه من كل جهة، فلله الحمد والمنة. ولنا بعد ذلك أن نتصور كيف سيندفع هذا التائب إلى العمل والإنتاج إذا ما علم أن سجله الذي كان مليئاً بالسيئات؛ قد استبدلها الله بحسنات لم يجهد نفسه في تحصيلها، بل هي فضل من الله ومنة؛ جزاء تغييره وجهته الخاطئة نحو الصواب، وجزاء كونه أصبح منتجا إيجابيا في مجتمعه، بعد أن كان سلبياً كسولا !!

ومن عظيم محفزات التوبة: أن يتوب الله تعالى على المذنب مهما عاود ارتكاب هذا الذنب مادام أنه يتوب منه بصدق في كل مرة يعود إليه، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (قال: أذنب عبدي ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى، أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنوب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنوب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، وقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً: فعلم أن له رباً يغفر الذنوب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)[رواه مسلم (2758)] !! 

ألا ما أحكمك يا رب وما أعظمك، إنه لا أفضل من إعطاء الفرصة تلو الفرصة للمتعثرين الصادقين الذين يريدون العمل في الاتجاه الصحيح؛ غير أن ضعفهم البشري؛ مع كيد الشيطان يقفان لهم بالمرصاد، فيتعثرون بعد التوبة من جديد، ثم يعيدون الكرة لصدقهم، فيتوبون من جديد، وسيصلون في نهاية الأمر -بتوفيق الله تعالى- إلى مبتغاهم، وسينجحون، وهكذا تكون نتيجة التوبة الصادقة، لأنها من سنن الله تعالى، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا !!

ومن محفزات التوبة الكِبار: فرح الله سبحانه وتعالى الشديد بتوبة التائبين، ففي الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح)  [رواه مسلم (2747)]!!

اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!