التأمل المفيد (٦٤)

الحلقة الثالثة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!

التوبة هي طريق للنجاح بعد الفشل !!

التصريح النبوي الكريم بأن كل ابن آدم خطاء، وأن خير الخطائين التوابون؛ يحمل في طياته أسرار النجاح للبشرية، وحثها للعمل الدؤوب !! إذ لو لم نذنب ثم نستغفر ونصحح؛ لأتى الله بقوم آخرين، قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) [صحيح مسلم (2749)] !! .. والاستغفار الحقيقي الصادق لابد وأن ينتج عنه عمل، قال الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} [طه : ٨٢]، قال أهل التفسير: “وإني لَغفار لمن تاب من ذنبه وكفره، وآمن بي وعمل الأعمال الصالحة، ثم اهتدى إلى الحق واستقام عليه” !!

من المعلوم أن أي عمل يعمله الإنسان؛ يحتمل أن يكون صوابا، أو قد يخطئ فيه، فإذا كان صوابا فالحمد لله، وأمّا إن كان خطأ فيتم تصحيحه بالتوبة من الخطأ وعمل الصواب وهكذا دواليك، وبذلك ينهض الأفراد وتنهض المجتمعات إلى ما فيه فلاحها ونجاحها، يقول تعالى في بيان أن التوبة الصادقة ينتج عنها تصحيح للعمل الخاطئ: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان : ٧٠] !! إذ بدون التصحيح لا يستفيد الإنسان من أخطائه، فتبقى تجربته محدودة لا يستفيد منها؛ لا هو؛ ولا الآخرون من حوله ..  ولذا كان خلق قوم آخرين -كما في الحديث الشريف- لو لم نذنب؛ فيه ضمان لإيجاد العمل ثم الخطأ ثم التوبة والتصحيح، ليستمر تقدم البشرية في الاتجاه الصحيح، ويحيوا حياة طيبة، قال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود : ٣] !!

ومما يؤكد على حتمية إتباع التوبة الصادقة بالعمل الصالح؛ هو تعريف السلف للاستغفار الحقيقي بأنه: “محو الذنب وإزالة أثره والوقاية من شره” ابن القيم [مدارج السالكين ج1 ص315] !!

هل ما يتردد على ألسنة الكثيرين بأن الفشل أساس النجاح؛ حق أم باطل ؟!!

قد يلتبس على البعض أن حديثي في هذا المقال عن أن التوبة هي طريق للنجاح بعد الفشل؛ هو تأكيد لصحة عبارة (الفشل أساس النجاح) التي تحمل حقا وباطلا !! فأمّا الحق الذي تحويه؛ فهو أن الخطأ إذا صححه الإنسان فسيؤدي إلى النجاح بتوفيق الله تعالى، وهذا ما سيتضح أكثر وأكثر في ثنايا هذا البحث !! وأمّا الباطل فهو فهم البعض من تلك العبارة؛ أن من أراد النجاح فلا بأس أن يبدأ عمله خبط عشواء، فإذا ما فشل فيه؛ يصححه لاحقا !! وهذا غير صحيح، وخلاف ما وجهنا الإسلام من ضرورة إتقان أعمالنا في كل شأن -عبادة وعادة- من المرة الأولى، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)حسنه الألباني [صحيح الجامع (1880)]، وأن نسدد ونقارب -والتسديد يعني الاتقان، أو نكون قريبا منه- فإذا ما أخطأ الإنسان فباب التوبة مفتوح وسيقوده للتصحيح والنجاح !!

اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!