التأمل المفيد (٦١)

الحلقة العشرون “الأخيرة” من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!

في الحلقة الأولى من هذه السلسلة وفقني الله تعالى وقلت: “إن الإدارة في الإسلام تمثلت في التطبيق الأمثل للرسول صلى الله عليه وسلم لكل ما أوحي إليه من ربه العليم الحكيم !! أي أن كل عمل فردي أو جماعي قام به صلى الله عليه وسلم إنما قام به بأكمل وأفضل إدارة عرفتها البشرية خلال تاريخها الطويل !! 

ومن حكمة الله تعالى العليم الحكيم أن حدد للبشرية جمعاء -يوم خلق السماوات والأرض- بلدا متوسط الموقع بين جميع قارات الأرض، وأمر سبحانه الناس فيه أن يكونوا أكثر جدية وصدقا في تتبع والاقتداء بهدي سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ الذي قام بأعماله الفردية والجماعية بأكمل وأفضل إدارة عرفتها البشرية خلال تاريخها الطويل !!

إن حِفظ الله تعالى لمجتمع التوحيد في مكة المكرمة أزمانا وآمادا طويلة -تتلمس البشرية فيه العلاقة الصحيحة مع خالقها سبحانه وتعالى !! كما تجد فيه العلاقة الصحيحة بين المسلم وأخيه المسلم- إن حفظ الله تعالى لهذا المجتمع الطاهر لهو أعظم تدبير رباني -وهو ما اصطلح الإداريون على تسميته بالتخطيط الاستراتيجي اليوم- تسير فيه البشرية بخطى مبصرة نحو الأمن والرفاه والسلام والفوز بسعادة الدارين !! حيث حوى هذاالتدبير الرباني للبشرية :

أولا: علما ربانيا لتاريخ البلد الحرام منذ حدده الله تعالى وحرّمه يوم خلق سبحانه السماوات والأرض، قال صلى الله عليه وسلم الله: (فإن هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض)[متفق عليه]!! مرورا بوفود صفوة الخلق عليهم السلام وأتباعهم إليه !! وتنبيها لما يحصل من عذاب أليم من الله تعالى لمن يفسدها بعد صلاحها، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل : ١١٢]، قال أهل التفسير: “وضرب الله مثلا بلدة “مكة” كانت في أمان من الاعتداء، واطمئنان مِن ضيق العيش، يأتيها رزقها هنيئًا سهلا من كل جهة، فجحد أهلُها نِعَمَ الله عليهم، وأشركوا به، ولم يشكروا له، فعاقبهم الله بالجوع والخوف من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه، التي كانت تخيفهم؛ وذلك بسبب كفرهم وصنيعهم الباطل” !!

ثانيا: في هذا التدبير الرباني استشراف للمستقبل: فقد بين صلى الله عليه وسلم مستقبل هذه البلدة -وأنه مادام الحجاج يفدون إليها؛ في حِراك يعكس استسلام فئام كبيرة من الناس لله تعالى وتحقيق توحيده والاجتماع عليه والدعوة إليه، كما يشارك بقية المسلمين الذين لم يحجوا؛ يشاركون الحجاج بتقديم الأعمال الصالحة والتكبير والتهليل، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر) [رواه البخاري (969)]-  بين صلى الله عليه وسلم  أن مستقبلها بهذا الصلاح فيها؛ هو حفظ أمن العالم، فلا تقوم الساعة ولا يقع الموت العام لكافة البشرية ما دام الحِفاظ على العلاقة بالخالق العظيم قائمة بفضل هدى بلد الله الحرام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت) [السلسلة الصحيحة (2430)]، وقال الحسن: “لازال الناس على دين ما قصدوا البيت واتجهوا إلى القبلة” [الدر المنثور (68/3)] !!

وأخيرا: إذا كانت ثمرة اقتداء الناس في مكة -بأعمال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم الفردية والجماعية؛ التي أداها بأكمل وأفضل إدارة عرفتها البشرية خلال تاريخها الطويل- هي الحِفاظ على أمن العالم بأسره من الدمار الذي يحدثه قيام الساعة -عند انقطاع الحج كما جاء في الحديث الآنف الذكر- لدرجة أن الكون سيتدمر كما قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ • وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير : ١-٢] !! فأي تخطيط استراتيجي بشري سيقدم لهم ثمرة تضاهي ثمرة الأمن العالمي المستديم الذي يقدمها التدبير الرباني من خلال إدارة هذا البلد الحرام ذي الخصائص العِظام ؟؟!!

فالحمدلله على نعمة الإسلام .. واللهم ارزقنا الفقه في الدين !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!