التأمل المفيد (٦٠)

الحلقة التاسعة عشرة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!

استمر -بعون الله وتوفيقه- في عرض لبعض المشكلات وحلولها في علم الإدارة الإسلامي !!

رابعا: مشكلات الفرد في بيئاته المختلفة وحلولها !!

لا ينفك المسلم عن التواجد في بيئات مختلفة يتعامل فيها مع غيره؛ خلال يومه وليلته !! سواء كانت تلك البيئة داره التي يسكنها، أو مكان عمله، أو مسجده، أو سوقه، أو ناديه الرياضي، أو حتى الطريق الذي يعبره !!

ولكل من هذه البيئات آدابها المناسبة لها، والتي على الجميع مراعاتها حال تواجدهم فيها !! وعلى سبيل المثال: لا تفرض هذه الآداب على الناس في ناديهم الرياضي جو الهدوء؛ كذلك الذي يفرضه تواجد المسلم في مسجده؛ يتلو القرآن ويذكر الله تعالى .. وهكذا !!

وقد جاءت هذه التشريعات الإسلامية لتنظيم حياة الناس في بيئاتهم المختلفة لتلافي المشاكل !! وحين يقع قصور في تطبيقها بسببب الضعف البشري، أو بنزغ من الشيطان الرجيم؛ فإن هذه النصوص هي المرجع لحل المشكلات !!
ولعلي أذكر مثالا أو مثالين لهذه التعاملات في البيئات المختلفة:

*أولا: بيئة المسجد: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تخطي الرقاب يوم الجمعة : جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اجْلِسْ ، فَقَدْ آذَيْتَ ) !! صححه الألباني [صحيح الجامع (155)] !!

كما نهى صلى الله عليه وسلم عن تشويش المصلين بعضهم على بعض في المسجد، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) !! صححه الألباني [السلسلة الصحيحة (1603)] !!

ثانيا: بيئة السوق: وهو مكان مكتظ بالناس، يبيع فيه المسلم ويشتري، وغير ذلك من التعاملات !! ولا شك أن الخلاف متوقع فيه بين المسلمين !! ولذا جاءت التشريعات الكثيرة لحسم الخلاف في بيئة السوق !! من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّعانِ بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) !! [متفق عليه] !!
كما أن الأمانة مطلوبة من الناس في الأسواق، وقد جاء النص الشرعي بتحريم الغش، قال صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) !! [رواه مسلم (164)] !!

ثالثا: بيئة الطريق: قال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ) !! [متفق عليه] !!

رابعا: بيئة المنزل: وقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة التي تخص تعامل الزوجين والأولاد داخل بيئة المنزل، من ذلك استئذان الأولاد للدخول على الوالدين في حجرتهما الخاصة قبل وبعد البلوغ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ • وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور : ٥٨-٥٩] !!
كما لا يستطيع أحد أن يدخل منزلا إلا بعد إذن صاحبه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور : ٢٧] !!

وأخيرا: تبين لنا ممّا سبق أن المسلم منضبط بسلوكيات راقية رفيعة شرعها العليم الحكيم في أي بيئة كان !! وأن هذا ينفي ظهوره في المسجد في حالة من الانضباط والأخلاق الرفيعة؛ ثم يكون عكس ذلك خارج المسجد؛ في بيئاته الأخرى !!

فالحمدلله على نعمة الإسلام .. واللهم ارزقنا الفقه في الدين !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!